ثم أمرهم جل أمره بما هو من شأن المؤمن وحق المسلم على المسلم بقوله "فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما" أيها المؤمنون لأنّ في قتالهما نقصا من عددكم وإثارة لغرس العداوة فيكم والبغضاء التي يتوارثها الأبناء عن الآباء بينكم "فَإِنْ بَغَتْ" تعدت واستطالت "إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى " فلم تنتصح ولم تقبل الصّلح وأصرت على بغيها ومواصلة عداوتها "فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي" يا أيها الحكام وأديموا مقاتلتكم
لها "حَتَّى تَفِي ءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ" وترجع عن غيها وتسلم لما في كتاب اللّه الموجود بأيديكم من الصّلح وإزالة الشّحناء وقطع مادة البغض "فَإِنْ فاءَتْ" عدلت ورجعت عن مواصلة العداء وجنحت للسلم "فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ" الذي يحملها على الإنصاف والرّضى بحكم اللّه، ولا تكتفوا بمجرد متاركتهما القتال لئلا يكون بينهما قتال آخر، لأن القتال الصّحيح يزبل حزار الصّدور ويمحو مادة الحقد، وإنما قيد الصّلح بالعدل ليعلم أنه بعد خضوعهما لحكم اللّه لا يجوز أن يميل المصلحون عليهما أو على أحداهما بسبب عدم قبولهما الصّلح مبدئيا، لأن تسليمها لأمر اللّه أزال ذلك وأوجب أن تعامل مع الفرقة المقابلة لها معاملة حقية متساوية، ولهذا أكد اللّه تعالى تلك الجملة بقوله "وَأَقْسِطُوا" أيها الحكام وولاة الأمور والمتوسطون بين النّاس بالصلح بينهما ولا يحملنكم عدم الرّضاء بالصلح أولا أن تحيفوا بهم أو تجوروا عليهم بل يجب عليكم أن تمحوا ذلك من صدوركم ولا تتحظروه بقلوبكم "إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ" (٩) في أحكامهم وأقوالهم وأعمالهم وسائر أمورهم.


الصفحة التالية
Icon