أي استسلمنا مخافة الهلاك من الجدب والجلاء والسّبي والقتل ولو كان إيمانكم كاملا لما مننتم به عليّ "وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ" دخولا حقيقيا حتى الآن ولم تخلصوا فيه إخلاصا صادقا مع انه لنفعكم "وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ" ظاهرا وباطنا طاعة لا تريدون بها إلّا وجه اللّه و"لا يَلِتْكُمْ" ينقصكم اللّه "مِنْ أَعْمالِكُمْ شَيْئاً" بل يجزيكم ثوابها كاملا ويزيدكم من فضله "إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ" لما بدر منكم "رَحِيمٌ" (١٤) بجميع عباده يريد لهم الخير ومن الخير عدم المنّة بالإسلام، لأن المنّة للّه الذي اختاركم إليه ولرسوله الذي أرشدكم إليه قال تعالى "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ" إيمانا خالصا لا لغرض ولا لعوض، ولم يقصد به إلّا ابتغاء وجه اللّه "ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا" في أمر دينهم كله "وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ" (١٥) بإيمانهم لأنهم أيدوه بالجهاد مالا وبدنا، ولا دليل أصدق على الإيمان من الاقتداء باللّه ورسوله، والاقتداء بالنفس والمال، فلما نزلت هاتان الآيتان أتوا إليه وحلفوا أنهم صادقون بإيمانهم، وقد علم اللّه منهم غير ذلك فأنزل جل إنزاله "قُلْ أَ تُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ" الذي أنتم عليه وهو خلاف ما تقولون، فلا تكتموا ما في قلوبكم على اللّه "وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ" وأنتم من جملة من فيها "وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ" (١٦) لا يحتاج إلى أخباركم، فيعلم الصّادق من الكاذب، والمخلص من المنافق، ويخبر رسوله بذلك فيذكره لكم على رؤوس الأشهاد.


الصفحة التالية
Icon