قال تعالى "يَمُنُّونَ عَلَيْكَ" يا سيد الرّسل "أَنْ أَسْلَمُوا" بقولهم المار بصدر الآية ١٤ "قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ" (١٧) بإيمانكم ولكنكم كاذبون به "إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ" لا يخفى عليه شيء مما يقع فيها ومن ما فيها وفوقهما وتحتهما "وَاللَّهُ بَصِيرٌ" بدقائق الأمور خبير "بِما تَعْمَلُونَ" (١٨) سرا وجهرا، روى البخاري ومسلم عن سعد بن أبي وقاص قال أعطى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم رهطا وأنا جالس، فترك منهم رجلا هو أعجبهم إلي فقلت مالك عن فلان والله أني لأراه مؤمنا ؟
فقال صلّى اللّه عليه وسلم أو مسلما، ذكر ذلك سعد ثلاثا وأجابه بمثل ذلك، ثم قال اني لأعطي الرجل وغيره أحبّ إليّ منه خشية أن يكبّ في النّار على وجهه.
الحكم الشّرعي :
يعتبر كلّ من نطق بالشهادتين من الجن والإنس مسلما ويعامل معاملة المسلمين ويدفن في مقابرهم، وليس لنا أن نقول له انك لست بمؤمن، لأن العبرة للظاهر وأمر الباطن مفوض إلى اللّه، ولم يقل الرّسول ما قال إلّا بإخبار اللّه إياه، أما نحن فليس لنا ذلك، كما أنه لو فرض أن هناك مؤمنا سرا ولم يعلن إسلامه ولم ينطق أمام أحد بالشهادتين، قال نعامله معاملة المسلمين ولا ندفنه في مقابرهم، وعدم معاملتنا له لا تضره واعلم أن الإسلام والإيمان واحد عند أهل السّنة والجماعة دون خلاف، ومنهم جعل الإسلام غير الإيمان، ومنهم على العكس مستدلا بحديث جبريل عليه السّلام إذ فرق فيه بين الإسلام والإيمان.
والإسلام لم يقرّ فيه الزيادة والنّقص بخلاف الإيمان، راجع الآية الثانية من سورة الأنفال المارة وما ترشدك إليه في هذا البحث، وله صلة آخر سورة التوبة الآتية.