﴿أن﴾ ذكرنا فيها وجهين أحدهما : مذهب الكوفيين، وهو أن المراد لئلا تصيبوا، وثانيها : مذهب البصريين، وهو أن المراد كراهة أن تصيبوا، ويحتمل أن يقال : المراد فتبينوا واتقوا، وقوله تعالى :﴿أن تصيبوا قَوْماً﴾ يبين ما ذكرنا أن يقول الفاسق : تظهر الفتن بين أقوام، ولا كذلك بالألفاظ المؤذية في الوجه، والغيبة الصادرة من المؤمنين، لأن المؤمن يمنعه دينه من الإفحاش والمبالغة في الإيحاش، وقوله ﴿بِجَهَالَةٍ﴾ في تقدير حال، أي أن تصيبوهم جاهلين وفيه لطيفة، وهي أن الإصابة تستعمل في السيئة والحسنة، كما في قوله تعالى :﴿مَّا أصابك مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ الله﴾ [ النساء : ٧٩ ] لكن الأكثر أنها تستعمل فيما يسوء، لكن الظن السوء يذكر معه، كما في قوله تعالى :﴿وَإِن تُصِبْهُمْ سَيّئَةٌ﴾ [ النساء : ٧٨ ] ثم حقق ذلك بقوله ﴿فَتُصْبِحُواْ على مَا فَعَلْتُمْ نادمين﴾ بياناً لأن الجاهل لا بد من أن يكون على فعله نادماً، وقوله ﴿فَتُصْبِحُواْ﴾ معناه تصيروا، قال النحاة : أصبح يستعمل على ثلاثة أوجه أحدها : بمعنى دخول الرجل في الصباح، كما يقول القائل : أصبحنا نقضي عليه وثانيها : بمعنى كان الأمر وقت الصباح كذا وكذا، كما يقول : أصبح اليوم مريضنا خيراً مما كان، غير أنه تغير ضحوة النهار، ويريد كونه في الصبح على حاله، كأنه يقول : كان المريض وقت الصبح خيراً وتغير ضحوة النهار وثالثها : بمعنى صار يقول القائل أصبح زيد غنياً ويريد به صار من غير إرادة وقت دون وقت، والمراد ههنا هو المعنى الثالث وكذلك أمسى وأضحى، ولكن لهذا تحقيق وهو أن نقول لا بد في اختلاف الألفاظ من اختلاف المعاني واختلاف الفوائد، فنقول الصيرورة قد تكون من ابتداء أمر وتدوم، وقد تكون في آخر بمعنى آل الأمر إليه، وقد تكون متوسطة.
مثال الأول : قول القائل صار الطفل فاهماً أي أخذ فيه وهو في الزيادة.


الصفحة التالية
Icon