مثال الثاني : قول القائل صار الحق بيناً واجباً أي انتهى حده وأخذ حقه.
مثال الثالث : قول القائل صار زيد عالماً وقوياً إذا لم يرد أخذه فيه، ولا بلوغه نهايته بل كونه متلبساً به متصفاً به، إذا علمت هذا فأصل استعمال أصبح فيما يصير الشيء آخذاً في وصف ومبتدئاً في أمر، وأصل أمسى فيما يصير الشيء بالغاً في الوصف نهايته، وأصل أضحى التوسط لا يقال أهل الاستعمال لا يفرقون بين الأمور ويستعملون الألفاظ الثلاثة بمعنى واحد، نقول إذا تقاربت المعاني جاز الاستعمال، وجواز الاستعمال لا ينافي الأصل، وكثير من الألفاظ أصله مضى واستعمل استعمالاً شائعاً فيما لا يشاركه، إذا علم هذا فنقول قوله تعالى :﴿فَتُصْبِحُواْ﴾ أي فتصيروا آخذين في الندم متلبسين به ثم تستديمونه وكذلك في قوله تعالى :﴿فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً﴾ أي أخذتم في الأخوة وأنتم فيها زائدون ومستمرون، وفي الجملة اختار في القرآن هذه اللفظة لأن الأمر المقرون به هذه اللفظة، إما في الثواب أو في العقاب وكلاهما في الزيادة، ولا نهاية للأمور الإلهية وقوله تعالى :﴿نادمين﴾ الندم هم دائم والنون والدال والميم في تقاليبها لا تنفك عن معنى الدوام، كما في قول القائل : أدمن في الشرب ومدمن أي أقام، ومنه المدينة.
وقوله تعالى :﴿فَتُصْبِحُواْ على مَا فَعَلْتُمْ نادمين﴾ فيه فائدتان :
إحداهما : تقرير التحذير وتأكيده، ووجهه هو أنه تعالى لما قال :﴿أن تُصِيبُواْ قَوْمَا بِجَهَالَةٍ﴾ قال بعده وليس ذلك مما لا يلتفت إليه، ولا يجوز للعاقل أن يقول : هب أني أصبت قوماً فماذا علي ؟ بل عليكم منه الهم الدائم والحزن المقيم، ومثل هذا الشيء واجب الاحتراز منه.
والثانية : مدح المؤمنين، أي لستم ممن إذا فعلوا سيئة لا يلتفتون إليها بل تصبحون نادمين عليها. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٢٨ صـ ١٠٠ ـ ١٠٥﴾