الثانية في هذه الآية دليلٌ على قبول خبر الواحد إذا كان عَدْلاً، لأنه إنما أمر فيها بالتثبت عند نقل خبر الفاسق.
ومن ثبت فسقه بطل قوله في الأخبار إجماعاً ؛ لأن الخبر أمانة والفسق قرينة يبطلها.
وقد استثنى الإجماع من جملة ذلك ما يتعلق بالدعوى والجحود، وإثبات حق مقصود على الغير ؛ مثل أن يقول : هذا عبدي ؛ فإنه يقبل قوله.
وإذا قال : قد أنفذ فلان هذا لك هدية ؛ فإنه يقبل ذلك.
وكذلك يقبل في مثله خبر الكافر.
وكذلك إذا أقرّ لغيره بحق على نفسه فلا يبطل إجماعاً.
وأما في الإنشاء على غيره فقال الشافعي وغيره : لا يكون ولِيًّا في النكاح.
وقال أبو حنيفة ومالك : يكون ولِيًّا ؛ لأنه يَلِي ما لها فيلي بُضْعَها.
كالعدل، وهو وإن كان فاسقاً في دينه إلا أن غيرَتْه موفّرة وبها يحمي الحريم، وقد يبذل المال ويصون الحرمة ؛ وإذا وَلِيَ المال فالنكاح أوْلَى.
الثالثة قال ابن العربي : ومن العَجَب أن يجوّز الشافعي ونظراؤه إمامة الفاسق.
ومن لا يؤتمن على حبة مالٍ ( كيف ) يصحّ أن يؤتمن على قنطار دَيْن.
وهذا إنما كان أصله أن الولاة الذين كانوا يصلّون بالناس لما فسدت أديانهم ولم يمكن ترك الصلاة وراءهم، ولا اسْتُطِيعت إزالتهم صُلِّيَ معهم ووراءهم ؛ كما قال عثمان : الصلاة أحسن ما يفعل الناس ؛ فإذا أحسنوا فأحسن، وإذا أساءوا فاجتنب إساءتهم.
ثم كان من الناس من إذا صلّى معهم تَقِيّةً أعادوا الصلاة للّه، ومنهم من كان يجعلها صلاته.
وبوجوب الإعادة أقول ؛ فلا ينبغي لأحد أن يترك الصلاة مع من لا يرضى من الأئمة، ولكن يعيد سِرًّا في نفسه، ولا يؤثر ذلك عند غيره.
الرابعة وأما أحكامه إن كان والياً فينفذ منها ما وافق الحق ويردّ ما خالفه، ولا ينقض حكمه الذي أمضاه بحال ؛ ولا تلتفتوا إلى غير هذا القول من رواية تؤثر أو قول يحكى ؛ فإن الكلام كثير والحق ظاهر.