وقال أبو حيان فى الآيات السابقة :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾
هذه السورة مدنية.
ومناسبتها لآخر ما قبلها ظاهرة، لأنه ذكر رسول الله ( ﷺ ) وأصحابه، ثم قال :﴿ وعد الله الذين آمنوا وعلموا الصالحات ﴾ فربما صدر من المؤمن عامل الصالحات بعض شيء مما ينبغي أن ينهى عنه، فقال تعالى :﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله ﴾.
وكانت عادة العرب، وهي إلى الآن الاشتراك في الآراء، وأن يتكلم كل بما شاء ويفعل ما أحب، فجرى من بعض من لم يتمرن على آداب الشريعة بعض ذلك.
قال قتادة : فربما قال قوم : ينبغي أن يكون كذا لو أنزل في كذا.
وقال الحسن : ذبح قوم ضحايا قبل النبي ( ﷺ )، وفعل قوم في بعض غزواته شيئاً بآرائهم، فنزلت هذه الآية ناهية عن جميع ذلك.
فقال ابن عباس : نهوا أن يتكلموا بين يدي كلامه.
وتقول العرب : تقدمت في كذا وكذا، وقدمت فيه إذ قلت فيه.
وقرأ الجمهور : لا تقدموا، فاحتمل أن يكون متعدياً، وحذف مفعوله ليتناول كل ما يقع في النفس مما تقدم، فلم يقصد لشيء معين، بل النهي متعلق بنفس الفعل دون تعرض لمفعول معين، كقولهم : فلان يعطي ويمنع.
واحتمل أن يكون لازماً بمعنى تقدم، كما تقول : وجه بمعنى توجه، ويكون المحذوف مما يوصل إليه بحرف، أي لا تتقدّموا في شيء مّا من الأشياء، أو بما يحبون.
ويعضد هذا الوجه قراءة ابن عباس وأبي حيوة والضحاك ويعقوب وابن مقسم.
لا تقدموا، بفتح التاء والقاف والدال على اللزوم، وحذفت التاء تخفيفاً، إذ أصله لا تتقدموا.
وقرأ بعض المكيين : تقدموا بشد التاء، أدغم تاء المضارعة في التاء بعدها، كقراءة البزي.