وقرىء : لا تقدموا، مضارع قدم، بكسر الدال، من القدوم، أي لا تقدموا إلى أمر من أمور الدين قبل قدومها، ولا تعجلوا عليها، والمكان المسامت وجه الرجل قريباً منه.
قيل : فيه بين يدي المجلوس إليه توسعاً، لما جاور الجهتين من اليمين واليسار، وهي في قوله :﴿ بين يدي الله ﴾، مجاز من مجاز التمثيل.
وفائدة تصوير الهجنة والشناعة فيها ؛ نهوا عنه من الإقدام على أمر دون الاهتداء على أمثلة الكتاب والسنة ؛ والمعنى : لا تقطعوا أمراً إلا بعدما يحكمان به ويأذنان فيه، فتكونوا عاملين بالوحي المنزل، أو مقتدين برسول الله ( ﷺ )، وهذا، وعلى هذا مدار تفسير ابن عباس.
وقال مجاهد : لا تفتاتوا على الله شيئاً حتى يقصه الله على لسان رسوله ( ﷺ )، وفي هذا النهي توطئة لما يأتي بعد من نهيهم عن رفع أصواتهم.
ولما نهى أمر بالتقوى، لأن من التقوى اجتناب المنهي عنه.
﴿ إن الله سميع ﴾ لأقوالكم، ﴿ عليم ﴾ بنياتكم وأفعالكم.
ثم ناداهم ثانياً، تحريكاً لما يلقيه إليهم، واستعباداً لما يتجدد من الأحكام، وتطرية للإنصات.
ونزلت بسبب عادة الأعراب من الجفاء وعلو الصوت.
﴿ لا ترفعوا أصواتكم ﴾ : أي إذا نطق ونطقتم، ﴿ ولا تجهروا بالقول ﴾ إذا كلمتموه، لأن رتبة النبوة والرسالة يجب أن توقر وتجل، ولا يكون الكلام مع الرسول ( ﷺ ) كالكلام مع غيره.
ولما نزلت، قال أبو بكر رضي الله عنه : لاأكلمك يا رسول الله إلا السرار أو أخا السرار حتى ألقى الله.
وعن عمر رضي الله عنه، أنه كان يكلم النبي ( ﷺ ) كأخي السرار، لا يسمعه حتى يستفهمه.


الصفحة التالية
Icon