وكان أبو بكر، إذا قدم على الرسول الله ( ﷺ )، قوم أرسل إليهم من يعلمهم كيف يسلمون، ويأمرهم بالسكينة والوقار عند رسول الله ( ﷺ )، ولم يكن الرفع والجهر إلا ما كان في طباعهم، لا أنه مقصود بذلك الاستخفاف والاستعلاء، لأنه كان يكون فعلهم ذلك كفراً، والمخاطبون مؤمنون.
﴿ كجهر بعضكم لبعض ﴾ : أي في عدم المبالاة وقلة الاحترام، فلم ينهوا إلا عن جهر مخصوص.
وكره العلماء رفع الصوت عند قبر رسول الله ( ﷺ )، وبحضرة العالم، وفي المساجد.
وعن ابن عباس :" نزلت في ثابت بن قيس بن شماس، وكان في أذنه وقر، وكان جهير الصوت، وحديثه في انقطاعه في بيته أياماً بسبب ذلك مشهور، وأنه قال : يا رسول الله، لما أنزلت، خفت أن يحبط عملي، فقال له رسول الله ( ﷺ ) :"إنك من أهل الجنة".
وقال له مرة :"أما ترضى أن تعيش حميداً وتموت شهيداً"؟ فعاش كذلك، ثم قتل باليمامة، رضي الله تعالى عنه يوم مسيلمة " ﴿ أن تحبط أعمالكم ﴾ : إن كانت الآية معرضة بمن يجهر استخفافاً، فذلك كفر يحبط معه العمل حقيقة ؛ وإن كانت للمؤمن الذي يفعل ذلك غفلة وجرياً على عادته، فإنما يحبط عمله البر في توقير النبي ( ﷺ )، وغض الصوت عنده، أن لو فعل ذلك، كأنه قال : مخافة أن تحبط الأعمال التي هي معدة أن تعملوها فتؤجروا عليها.
وأن تحبط مفعول له، والعامل فيه ولا تجهروا، على مذهب البصريين في الاختيار، ولا ترفعوا على مذهب الكوفيين في الاختيار، ومع ذلك، فمن حيث المعنى حبوط العمل علة في كل من الرفع والجهر.
وقرأ عبد الله وزيد بن علي : فتحبط بالفاء، وهو مسبب عن ما قبله.
﴿ إن الذين يغضون أصواتهم ﴾، قيل : نزلت في أبي بكر وعمر، رضي الله تعالى عنهما، لما كان منهما من غض الصوت والبلوغ به أخا السرار.