وليس في الآية الحكم بقلة العقل منطوقاً به، فيحتمل النفي، وإنما هو مفهوم من قوله :﴿ أكثرهم لا يعقلون ﴾.
والنفي المحض المستفاد إنما هو من صريح لفظ التقليل، لا من المفهوم، فلا يحمل قوله :﴿ ولكن أكثرهم لا يشكرون ﴾ النفي المحض للشكر، لأن النفي لم يستفد من صريح التقليل.
وهذه الآية سجلت على الذين نادوه بالسفه والجهل.
وابتدأ أول السورة بتقديم الأمور التي تنتمي إلى الله تعالى ورسوله على الأمور كلها، ثم على ما نهى عنه من التقديم بالنهي عن رفع الصوت والجهر، فكان الأول بساطاً للثاني، ثم يلي بما هو ثناء على الذين امتنعوا من ذلك، فغضوا أصواتهم دلالة على عظم موقعه عند الله تعالى.
ثم جيء على عقبه بما هو أفظع، وهو الصياح برسول الله ( ﷺ ) في حال خلوته ببعض حرمه من وراء الجدار، كما يصاح بأهون الناس، ليلبيه على فظاعة ما جسروا عليه، لأن من رفع الله قدره عن أن يجهر له بالقول، كان صنيع هؤلاء معه من المنكر المتفاحش.
ومن هذا وأمثاله تقتبس محاسن الآداب.
كما يحكى عن أبي عبيد ومحله من العلم والزهد وثقة الرواية ما لا يخفى أنه قال : ما دققت باباً على عالم قط حتى يخرج في وقت خروجه.
﴿ ولو أنهم صبرو حتى تخرج إليهم ﴾، قال الزمخشري :﴿ أنهم صبروا ﴾ في موضع الرفع على الفاعلية، لأن المعنى : ولو ثبت صبرهم.
انتهى، وهذا ليس مذهب سيبويه، أن أن وما بعدها بعد لو في موضع مبتدأ، لا في موضع فاعل.
ومذهب المبرد أنها في موضع فاعل بفعل محذوف، كما زعم الزمخشري.
واسم كان ضمير يعود على المصدر المفهوم من صبروا، أي لكان هو، أي صبرهم خيراً لهم.
وقال الزمخشري : في كان، إما ضمير فاعل الفعل المضمر بعد لو.