وقيل : يطيعكم دون أطاعكم، للدلالة على أنه كان في إرادتهم استمرار عملهم على ما يستصوبونه، وأنه كلما عنّ لهم رأي في أمر كان معمولاً عليه بدليل قوله في كثير من الأمر، وشريطة لكن مفقودة من مخالفة ما بعدها لما قبلها من حيث اللفظ، حاصلة من حيث المعنى، لأن الذين حبب إليهم الإيمان قد غايرت صفتهم صفة المتقدم ذكرهم فوقعت لكن في حاق موقعها من الاستدراك.
انتهى، وهو ملتقط من كلام الزمخشري.
وقال الزمخشري أيضاً : ومعنى تحبيب الله وتكريهه اللطف والإمداد بالتوفيق وسبيله الكناية، كما سبق وكل ذي لب، وراجع إلى بصيرة وذهن لا يغبا عليه أن الرجل لا يمدح بفعل غيره.
وحمل الآية على ظاهرها يؤدي إلى أن يثني عليهم بفعل الله، وقد نفى الله هذا عن الذين أنزل فيهم، ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا.
انتهى، وهي على طريق الاعتزال.
وعن الحسن : حبب الإيمان بما وصف من الثناء عليه، وكره الثلاثة بما وصف من العقاب. انتهى.
﴿ أولئك هم الراشدون ﴾ : التفات من الخطاب إلى الغيبة.
﴿ فضلاً من الله ونعمة ﴾، قال ابن عطية : مصدر مؤكد لنفسه، لأن ما قبله هو بمعناه، هذ التحبيب والتزيين هو نفس الفضل.
وقال الحوفي : فضلاً نصب على الحال.
انتهى، ولا يظهر هذا الذي قاله.
وقال أبو البقاء : مفعول له، أو مصدر في معنى ما تقدم.
وقال الزمخشري : فضلاً مفعول له، أو مصدر من غير فعله.
فإن قلت : من أين جاز وقوعه مفعولاً له، والرشد فعل القوم، والفضل فعل الله تعالى، والشرط أن يتحد الفاعل؟ قلت : لما وقع الرشد عبارة عن التحبيب والتزيين والتكريه مسندة إلى اسمه، تقدست أسماؤه، وصار الرشد كأنه فعله، فجاز أن ينتصب عنه ولا ينتصب عن الراشدون، ولكن عن الفعل المسند إلى اسم الله تعالى.
والجملة التي هي ﴿ أولئك هم الراشدون ﴾ اعتراض، أو عن فعل مقدر، كأنه قيل : جرى ذلك، أو كان ذلك فضلاً من الله.