ولما أنهى سبحانه ما أراد من النهي عن أذى الرسول ـ ﷺ ـ في نفسه، وكان من ذلك أذاه في أمته، فإنه عزيز عليه ما عنتوا وكان من آذاه فيهم فاسقاً، وكان أعظم الأذى فيهم ما أورث كرباً فأثار حرباً، وكان ربما اتخذ أهل الأغراض هذه الآداب ذريعة إلى أذى بعض المسلمين فقذفوهم بالإخلال بشيء منها فوقعوا هم فيها فيما قذفوا به غيرهم من الإخلال بحقه والتقيد بولائه ورقه، وكان لرسول الله ـ ﷺ ـ من الأخلاق الطاهرة والمعالي الظاهرة ما يؤمن معه أن يوقع شيئاً في غير محله، أن يأمر بأمر من غير حله - هذا مع ما له من العصمة، قال منبهاً على ما في القسم الثالث من مكارم الأخلاق من ترك العجز بالاعتماد على أخبار الفسقة، تخاطباً لكل من أقر بالإيمان على طريق الاستنتاج مما مضى، نادباً إلى الاسترشاد بالعقل الذي نفاه عن أهل الآية السالفة، والعفو عن المذنب والرحمة لعباد الله، منادياً بأداة البعد إشارة إلى أن من احتاج إلى التصريح بمثل هذا التنبيه غير مكتف بما أفاده من قواعد الشرع وضع نفسه في محل بعيد، وتنبيهاً على أن ما في حيزها كلام له خطب عظيم ووقع جسيم :﴿يا أيها الذين آمنوا﴾ وعبر بالفعل الماضي الذي هو لأدنى أسنان القلوب، وعبر بأداة الشك إيذاناً بقلة الفاسق فيهم وقلة مجيئه إليهم بخبر له وقع، فقال :﴿إن جاءكم﴾ أي في وقت من الأوقات ﴿فاسق﴾ أي خارج من ربقة الديانة أيّ فاسق كان ﴿بنبأ﴾ أي خبر يعظم خطبه فيؤثر شراً، أيّ خير كان مما يكون كذلك؟ ﴿فتبينوا﴾ أي عالجوا البيان وهو فصل الخطأ من الصواب، استعمالاً لغريزة العقل المنفي عن المنادين واتصافاً بالغفران والرحمة ليرحمكم الله ويغفر لكم، وهذه القراءة غاية لقراءة حمزة والكسائي بالمثلثة ثم المثناة الفوقية، والسياق مرشد إلى أن خبر الفاسق كالنمام والساعي بالفساد كما أنه لا يقبل فلذلك لا يرد حتى يمتحن، وإلى أن خبر العدل لا وقفة


الصفحة التالية
Icon