حاضراً لتأذى، وهو في غاية الحسن من الترتيب، فإن قيل : لم لم يذكر المؤمن قبل الفاسق لتكون المراتب متدرجة الابتداء بالله ورسوله، ثم بالمؤمن الحاضر، ثم بالمؤمن الغائب، ثم بالفاسق ؟ نقول : قدم الله ما هو الأهم على ما دونه، فذكر جانب الله، ثم ذكر جانب الرسول، ثم ذكر ما يفضي إلى الاقتال بين طوائف المسلمين بسبب الإصغاء إلى كلام الفاسق والاعتماد عليه، فإنه يذكر كل ما كان أشد نفاراً للصدور، وأما المؤمن الحاضر أو الغائب فلا يؤذي المؤمن إلى حد يفضي إلى القتل، ألا ترى أن الله تعالى ذكر عقيب نبأ الفاسق آية الاقتتال، فقال :﴿وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ المؤمنين اقتتلوا﴾ وفي التفسير مسائل :
المسألة الأولى :
في سبب نزول هذه الآية، هو أن النبي ﷺ بعث الوليد بن عقبة، وهو أخو عثمان لأمه إلى بني المصطلق ولياً ومصدقاً فالتقوه، فظنهم مقاتلين، فرجع إلى النبي ﷺ وقال : إنهم امتنعوا ومنعوا، فهم الرسول ﷺ بالإيقاع بهم، فنزلت هذه الآية، وأخبر النبي ﷺ بأنهم لم يفعلوا من ذلك شيئاً، وهذا جيد إن قالوا بأن الآية نزلت في ذلك الوقت، وأما إن قالوا بأنها نزلت لذلك مقتصراً عليه ومتعدياً إلى غيره فلا، بل نقول هو نزل عاماً لبيان التثبت، وترك الاعتماد على قول الفاسق، ويدل على ضعف قول من يقول : إنها نزلت لكذا، أن الله تعالى لم يقل إني أنزلتها لكذا، والنبي ﷺ لم ينقل عنه أنه بين أن الآية وردت لبيان ذلك فحسب، غاية ما في الباب أنها نزلت في ذلك الوقت، وهو مثل التاريخ لنزول الآية، ونحن نصدق ذلك، ويتأكد ما ذكرنا أن إطلاق لفظ الفاسق على الوليد سيء بعيد، لأنه توهم وظن فأخطأ، والمخطىء لا يسمى فاسقاً، وكيف والفاسق في أكثر المواضع المراد به من خرج عن ربقة الإيمان لقوله تعالى :


الصفحة التالية
Icon