وثانيها : إلى أمر الله، أي إلى الصلح فإنه مأمور به يدل عليه قوله تعالى :﴿وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ﴾ [ الأنفال : ١ ]، ثالثها : إلى أمر الله بالتقوى، فإن من خاف الله حق الخوف لا يبقى له عداوة إلا مع الشيطان كما قال تعالى :﴿إِنَّ الشيطان لَكُمْ عَدُوٌّ فاتخذوه عَدُوّاً﴾ [ فاطر : ٦ ]، السادس : لو قال قائل قد ذكرتم ما يدل على كون الشرط غير متوقع الوقوع وقلتم بأن القتال والبغي من المؤمن نادر، فإذن تكون الفئة متوقعة فكيف قال :﴿فَإِن فَاءتْ﴾ ؟ نقول قول القائل لعبده : إن مت فأنت حر، مع أن الموت لا بد من وقوعه، لكن لما كان وقوعه بحيث يكون العبد محلاً للعتق بأن يكون باقياً في ملكه حياً يعيش بعد وفاته غير معلوم فكذلك ههنا لما كان الواقع فيئتهم من تلقاء أنفسهم فلما لم يقع دل على تأكيد الأخذ بينهم فقال تعالى :﴿فَإِن فَاءَتْ﴾ بقتالكم إياهم بعد اشتداد الأمر والتحام الحرب فأصلحوا، وفيه معنى لطيف وهو أنه تعالى أشار إلى أن من لم يخف الله وبغى لا يكون رجوعه بقتالكم إلا جبراً السابع : قال ههنا :﴿فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا بالعدل﴾ ولم يذكر العدل في قوله ﴿وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ المؤمنين اقتتلوا فَأَصْلِحُواْ﴾ نقول لأن الإصلاح هناك بإزالة الاقتتال نفسه، وذلك يكون بالنصيحة أو التهديد والزجر والتعذيب، والإصلاح ههنا بإزالة آثار القتل بعد اندفاعه من ضمان المتلفات وهو حكم فقال :﴿بالعدل﴾ فكأنه قال : واحكموا بينهما بعد تركهما القتال بالحق وأصلحوا بالعدل مما يكون بينهما، لئلا يؤدي إلى ثوران الفتنة بينهما مرة أخرى الثامن : إذا قال :﴿فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا بالعدل﴾ فأية فائدة في قوله ﴿وَأَقْسِطُواْ﴾ نقول قوله فأصلحوا بينهما بالعدل كان فيه تخصيص بحال دون حال فعمم الأمر بقوله ﴿وَأَقْسِطُواْ﴾ أي في كل أمر مفض إلى أشرف درجة وأرفع منزلة وهي محبة الله، والإقساط إزالة القسط وهو الجور