ولما كان التقدير ما كان الأصل في أن يكون الرد به وهو : فلا تقولوا : آمنا، فإنه كذب، وعدل عنه للاحتراز عن النهي عن القول بالإيمان، عطف عليه قوله :﴿ولكن قولوا﴾ لأنكم أسلمتم للدنيا لا للدين، وعدل عنه لئلا تكون شهادة لهم بالإسلام في الجملة :﴿أسلمنا﴾ أي أظهرنا الانقياد في الظاهر للأحكام الظاهرة فأمنا من أن نكون حزباً للمؤمنين وعوناً للمشركين، يقول : أسلم الرجل - إذا دخل في السلم، كما يقال : أشتى - إذا دخل في الشتاء، ولم يقل : ولكن أسلمتم، لما فيه من الشهادة لهم بالإسلام الملازم للإيمان المنفي عنه، فكان يكون تناقضاً، والآية من الاحتباك : نفي الإيمان الشرعي أولاً يدل على إثبات الإسلام اللغوي ثانياً، والأمر بالقول بالإسلام ثانياً يدل على النهي عن القول بالإيمان أولاً.
ولما كانت " لم " غير مستغرقة، عطف عليها ما يستغرق ما مضى من الزمان كله ليكون الحكم بعدم إيمانهم مكتنفاً بأمرهم بالاقتصاد على الإخبار بإسلامهم، فقال معلماً بأن ما يجتهدون في إخفائه منكشف لديه " ألا يعلم من خلق ".
﴿ولما يدخل﴾ أي إلى هذا الوقت ﴿الإيمان﴾ أي المعرفة التامة ﴿في قلوبكم﴾ فلا يعد إقرار اللسان إيماناً إلا بمواطأة القلب، فعصيتم الله ورسوله ـ ﷺ ـ وأحبطتم أعمالكم، والتعبير ب " لما " يفهم أنهم آمنوا بعد ذلك، ويجوز أن يكون المراد بهذا النفي نفي التمكن في القلب، لا نفي مطلق الدخول بدليل ﴿إنما المؤمنون﴾ دون ﴿إنما الذين آمنوا ﴾.


الصفحة التالية
Icon