ولما كان التقدير : فإن تؤمنوا يعلم الله ذلك من قلوبكم غنياً عن قولكم، عطف عليه قوله ترغيباً لهم في التوبة :﴿وإن تطيعوا الله﴾ أي الملك الذي من خالفه لم يأمن عقوبته ﴿ورسوله﴾ الذي طاعته من طاعته على ما أنتم عليه من الأمر الظاهري فتؤمن قلوبكم ﴿لا يلتكم﴾ أي ينقصكم ويبخسكم من لاته يليته، وهي لغة أهل الحجاز، وقرأ البصريان : يألتكم من الألت وهو النقص أيضاً، وهي لغة أسد وغطفان، وهما المخاطبون بهذه الآية المعاتبون بها، قال أبو حيان : قال مجاهد : نزلت في بني أسد بن خزيمة - انتهى.
فلذلك اختار أبو عمرو القراءة بها، وعدل عن لغة الحجاز ﴿من أعمالكم شيئاً﴾ فلا حاجة إلى إخباركم عن إيمانكم بغير ما يدل عليه من الأقوال والأفعال، قال ابن برجان : فعموم الناس وأكثر أهل الغفلة مسلمون غير مؤمنين، فإن يعلموا علم ما شهدوا وعقدوا عليه عقداً علماً ويقيناً لهم المؤمنون.
وفي الآية احتباك من وجه آخر : ذكر عدم الإيمان أولاً دليلاً على إثباته ثانياً، وذكر توفير الأعمال ثانياً دليلاً على بخسها أو إحباطها أولاً، وسره أنه نفى أساس الخير أولاً ورغب في الطاعة بحفظ ما تعبوا عليه من الأعما ثانياً.
ولما كان الإنسان مبنياً على النقصان، فلو وكل إلى عمله هلك، ولذهب عمله فيما يعتريه من النقص، قال مستعطفاً لهم إلى التوبة، مؤكداً تنبيهاً على أنه مما يحق تأكيده لأن الخلائق لا يفعلون مثله :﴿إن الله﴾ أي الذي له صفات الكمال ﴿غفور﴾ أي ستور للهفوات والزلات لمن تاب وصحت نيته، ولغيره إذا أراد، فلا عتاب ولا عقاب ﴿رحيم﴾ أي يزيد على الستر عظيم الإكرام. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٧ صـ ٢٣٤ ـ ٢٣٩﴾