وفيه معنى : وهو أن الاغتياب كأكل لحم الآدمي ميتاً، ولا يحل أكله إلا للمضطر بقدر الحاجة، والمضطر إذا وجد لحم الشاة الميتة ولحم الآدمي الميت فلا يأكل لحم الآدمي، فكذلك المغتاب أن وجد لحاجته مدفعاً غير الغيبة فلا يباح له الاغتياب، وقوله تعالى :﴿مَيْتًا﴾ حال عن اللحم أو عن الأخ، فإن قيل اللحم لا يكون ميتاً، قلنا بلى قال النبي ﷺ :
" ما أبين من حي فهو ميت " فسمى الغلفة ميتاً، فإن قيل إذا جعلناه حال عن الأخ، لا يكون هو الفاعل ولا المفعول فلا يجوز جعله حال، كما يقول القائل : مررت بأخي زيد قائماً، ويريد كون زيداً قائماً، قلنا يجوز أن يقال من أكل لحمة فقد أكل، فصار الأخ مأكولاً مفعولاً، بخلاف المرور بأخي زيد، فيجوز أن تقول ضربت وجهه آثماً أي وهو آثم، أي صاحب الوجه، كما أنك إذا ضربت وجهه فقد ضربته، ولا يجوز أن تقول مزقت ثوبه آثماً، فتجعل الآثم حالاً من غيرك، وقوله تعالى :﴿فَكَرِهْتُمُوهُ﴾ فيه مسألتان :
المسألة الأولى :
العائد إليه الضمير يحتمل وجوهاً الأول : وهو الظاهر أن يكون هو الأكل، لأن قوله تعالى :﴿أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ﴾ معناه أيحب أحدكم الأكل، لأن أن مع الفعل تكون للمصدر، يعني فكرهتم الأكل الثاني : أن يكون هو اللحم، أي فكرهتم اللحم الثالث : أن يكون هو الميت في قوله ﴿مَيْتًا﴾ وتقديره : أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً متغيراً فكرهتموه، فكأنه صفة لقوله ﴿مَيْتًا﴾ ويكون فيه زيادة مبالغة في التحذير، يعني الميتة إن أكلت في الندرة لسبب كان نادراً، ولكن إذا أنتن وأروح وتغير لا يؤكل أصلاً، فكذلك ينبغي أن تكون الغيبة.
المسألة الثانية :


الصفحة التالية
Icon