البحث الأول : فإن قيل هذا مبني على عدم اعتبار النسب، وليس كذلك فإن للنسب اعتباراً عرفاً وشرعاً، حتى لا يجوز تزويج الشريفة بالنبطي، فنقول إذا جاء الأمر العظيم لا يبقى الأمر الحقير معتبراً، وذلك في الحس والشرع والعرف، أما الحس فلأن الكواكب لا ترى عند طلوع الشمس، ولجناح الذباب دوي ولا يسمع عندما يكون رعد قوي، وأما في العرف، فلأن من جاء مع الملك لا يبقى له اعتبار ولا إليه التفات، إذا علمت هذا فيهما ففي الشرع كذلك، إذا جاء الشرف الديني الإلهي، لا يبقى الأمر هناك اعتبار، لا لنسب ولا لنشب، ألا ترى أن الكافر وإن كان من أعلى الناس نسباً، والمؤمن وإن كان من أدونهم نسباً، لا يقاس أحدهما بالآخر، وكذلك ما هو من الدين مع غيره، ولهذا يصلح للمناصب الدينية كالقضاء والشهادة كل شريف ووضيع إذا كان ديناً عالماً صالحاً، ولا يصلح لشيء منها فاسق، وإن كان قرشي النسب، وقاروني النشب، ولكن إذا اجتمع في اثنين الدين المتين، وأحدهما نسيب ترجح بالنسب عند الناس لا عند الله لأن الله تعالى يقول
﴿وَأَن لَّيْسَ للإنسان إِلاَّ مَا سعى﴾ [ النجم : ٣٩ ] وشرف النسب ليس مكتسباً ولا يحصل بسعي.
البحث الثاني : ما الحكمة في اختيار النسب من جملة أسباب التفاخر، ولم يذكر المال ؟ نقول الأمور التي يفتخر بها في الدنيا وإن كانت كثيرة لكن النسب أعلاها، لأن المال قد يحصل للفقير فيبطل افتخار المفتخر به، والحسن والسن، وغير ذلك غير ثابت دائم، والنسب ثابت مستمر غير مقدور التحصيل لمن ليس له فاختاره الله للذكر وأبطل اعتباره بالنسبة إلى التقوى ليعلم منه بطلان غيره بالطريق الأولى.


الصفحة التالية
Icon