البحث الأول : الخطاب مع الناس والأكرم يقتضي اشتراك الكل في الكرامة ولا كرامة للكافر، فإنه أضل من الأنعام وأذل من الهوام.
نقول ذلك غير لازم مع أنه حاصل بدليل قوله تعالى :﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي ءادَمَ﴾ [ الإسراء : ٧٠ ] لأن كل من خلق فقد اعترف بربه، كأنه تعالى قال من استمر عليه لو زاد زيد في كرامته، ومن رجع عنه أزيل عنه أثر الكرامة الثاني : ما حد التقوى ومن الأتقى ؟ تقول أدنى مراتب التقوى أن يجتنب العبد المناهي ويأتي بالأوامر ولا يقر ولا يأمن إلا عندهما فإن اتفق أن ارتكب منهياً لا يأمن ولا يتكل له بل يتبعه بحسنة ويظهر عليه ندامة وتوبة، ومتى ارتكب منهياً وما تاب في الحال واتكل على المهلة في الأجل ومنعه عن التذاكر طول الأمل فليس بمتق، أما الأتقى فهو الذي يأتي بما أمر به ويترك ما نهى عنه، وهو مع ذلك خاش ربه لا يشتغل بغير الله، فينور الله قلبه، فإن التفت لحظة إلى نفسه أو ولده جعل ذلك ذنبه، وللأولين النجاة لقوله تعالى :﴿ثُمَّ نُنَجّي الذين اتقوا﴾ [ مريم : ٧٢ ] وللآخرين السوق إلى الجنة لقوله تعالى :﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ الله أتقاكم﴾ فبين من أعطاه السلطان بستاناً وأسكنه فيه، وبين من استخلصه لنفسه يستفيد كل يوم بسبب القرب من بساتين وضياعاً بون عظيم.
ثم قال تعالى :﴿إِنَّ الله عَلَيمٌ خَبِيرٌ﴾ أي عليم بظواهركم، يعلم أنسابكم خبير ببواطنكم لا تخفى عليه أسراركم، فاجعلوا التقوى عملكم وزيدوا في التقوى كما زادكم.
قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ


الصفحة التالية
Icon