قوله تعالى :﴿وَلَمَّا يَدْخُلِ الإيمان فِي قُلُوبِكُمْ﴾ هل فيه معنى قوله تعالى :﴿قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ﴾ ؟ نقول نعم وبيانه من وجوه الأول : هو أنهم لما قالوا آمنا وقيل لهم ﴿لَّمْ تُؤْمِنُواْ ولكن قُولُواْ أَسْلَمْنَا﴾ قالوا إذا أسلمنا فقد آمنا، قيل لا فإن الإيمان من عمل القلب لا غير والإسلام قد يكون عمل اللسان، وإذا كان ذلك عمل القلب ولم يدخل في قلوبكم الإيمان لم تؤمنوا الثاني : لما قالوا آمنا وقيل لهم لم تؤمنوا قالوا جدلاً قد آمنا عن صدق نية مؤكدين لما أخبروا فقال :﴿وَلَمَّا يَدْخُلِ الإيمان فِي قُلُوبِكُمْ﴾ لأن لما يفعل يقال في مقابلة قد فعل، ويحتمل أن يقال بأن الآية فيها إشارة إلى حال المؤلفة إذا أسلموا ويكون إيمانهم بعده ضعيفاً قال لهم ﴿لَّمْ تُؤْمِنُواْ﴾ لأن الإيمان إيقان وذلك بعد لم يدخل في قلوبكم وسيدخل باطلاعكم على محاسن الإسلام ﴿وَإِن تُطِيعُواْ الله وَرَسُولَهُ﴾ يكمل لكم الأجر، والذي يدل على هذا هو أن لما فيها معنى التوقع والانتظار، والإيمان إما أن يكون بفعل المؤمن واكتسابه ونظره في الدلائل، وإما أن يكون إلهاماً يقع في قلب المؤمن فقوله ﴿قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ﴾ أي ما فعلتم ذلك، وقوله تعالى :﴿وَلَمَّا يَدْخُلِ الإيمان فِي قُلُوبِكُمْ﴾ أي ولا دخل الإيمان في قلبكم إلهاماً من غير فعلكم فلا إيمان لكم حينئذ.
ثم إنه تعالى عند فعلهم قال :﴿لَّمْ تُؤْمِنُواْ﴾ بحرف ليس فيه معنى الانتظار لقصور نظرهم وفتور فكرهم، وعند فعل الإيمان قال لما يدخل بحرف فيه معنى التوقع لظهور قوة الإيمان، كأنه يكاد يغشي القلوب بأسرها.


الصفحة التالية
Icon