والجاهلون لأهل العلم أعداء
الثانية بيّن الله تعالى في هذه الآية أنه خلق الخلق من الذكر والأنثى، وكذلك في أوّل سورة "النساء".
ولو شاء لخلقه دونهما كخلقه لآدم، أو دون ذَكَر كخلقه لعيسى عليه السلام، أو دون أنثى كخلقه حواء من إحدى الجهتين.
وهذا الجائز في القدرة لم يرد به الوجود.
وقد جاء أن آدم خلق الله منه حوّاء من ضلع انتزعها من أضلاعه ؛ فلعله هذا القسم ؛ قاله ابن العربي.
الثالثة خلق الله الخلق بين الذكر والأنثى أنساباً وأصهاراً وقبائلَ وشعوباً، وخلق لهم منها التعارف، وجعل لهم بها التواصل للحكمة التي قدّرها وهو أعلم بها ؛ فصار كل أحد يحوز نسبه ؛ فإذا نفاه رجل عنه استوجب الحدّ بقذفه ؛ مثل أن ينفيه عن رهطه وحسبه، بقوله للعربي : يا عجمي، وللعجمي : يا عربي ؛ ونحو ذلك مما يقع به النفي حقيقة.
انتهى.
الرابعة ذهب قوم من الأوائل إلى أن الجنين إنما يكون من ماء الرجل وحده، ويتربّى في رحم الأم، ويستمد من الدم الذي يكون فيه.
واحتجوا بقوله تعالى :﴿ أَلَمْ نَخْلُقكُّم مِّن مَّآءٍ مَّهِينٍ * فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ ﴾ [ المرسلات : ٠ ٢ ١ ٢ ].
وقوله تعالى :﴿ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلاَلَةٍ مِّن مَّآءٍ مَّهِينٍ ﴾ [ السجدة : ٨ ].
وقوله :﴿ أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يمنى ﴾ [ القيامة : ٧ ٣ ].
فدلّ على أن الخلق من ماء واحد.
والصحيح أن الخلق إنما يكون من ماء الرجل والمرأة لهذه الآية ؛ فإنها نص لا يحتمل التأويل.
وقوله تعالى :
﴿ خُلِقَ مِن مَّآءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصلب والترآئب ﴾ [ الطارق : ٦ ٧ ] والمراد منه أصلاب الرجال وترائب النساء ؛ على ما يأتي بيانه.
وأما ما احتجوا به فليس فيه أكثر من أن الله تعالى ذكر خلق الإنسان من الماء والسُّلالةِ والنطفةِ ولم يضفها إلى أحد الأبوين دون الآخر.
فدلّ على أن الماء والسلالة لهما والنطفةَ منهما بدلالة ما ذكرنا.


الصفحة التالية
Icon