ولما كانت الشناعة والفساد في قتال الجماعة أكثر، عبر بضمير الجمع دون التثنية تصويراً لذلك بأقبح صورة فقال :﴿اقتتلوا﴾ أي فاختلطوا بسبب القتال حتى كانوا كالفرقة الواحدة ﴿فأصلحوا﴾ أي فأوقعوا الإصلاح ليحصل الصلح.
ولما كانت العبرة في الصلح إذا وقع بين الطائفتين ما يسكن به الشر وإن تخلف شذان من الجانبين لا يعبأ بهم، عبر بالتثنية دون الجمع فقال :﴿بينهما﴾ أي بالوعظ والإرشاد الدنيوي والأخروي، ولا تظنوا أن الباغي غير مؤمن فتتجاوزوا فيه أمر الله.
ولما كان البغي من أشنع الأمور فكان ينبغي أن لم يلم به أحد، عبر بأداة الشك إرشاداً إلى ذلك فقال :﴿فإن بغت﴾ أي أوقعت الإرادة السيئة الكائنة من النفوس التي لا تأمر بخير ﴿إحداهما﴾ أي الطائفتين ﴿على الأخرى﴾ فلم ترجع إلى حكم الله الذي خرجت عنه ولم تقبل الحق.
ولما كان الإضمار هنا ربما أوهم لبساً فتمسك به متعنت في أمر فساد، أزال بالإظهار كل لبس فقال :﴿فقاتلوا﴾ أي أوجدوا واطلبوا مقاتلة ﴿التي ﴾.
ولما كان القتال لا يجوز إلا بالاستمرار على البغي، عبر بالمضارع إفهاماً لأنه متى زال البغي ولو بالتوبة من غير شوكة حرم القتال فقال :﴿تبغي﴾ أي توقع الإرادة وتصر عليها، وأديموا القتال لها ﴿حتى تفيء﴾ أي ترجع مما صارت إليه من جر القطيعة الذي كأنه حر الشمس حين نسخه الظل إلى ما كانت فيه من البر والخير الذي هو كالظل الذي ينسخ الشمس، وهو معنى قوله تعالى :﴿إلى أمر الله﴾ أي التزام ما أمر به الملك الذي لا يهمل الظالم، بل لا بد أن يقاصصه وأمره ما كانت عليه من العدل قبل البغي.
ولما كانت مقاتلة الباغي جديرة بترجيعه، أشار إلى ذلك بقوله :﴿فإن فاءت﴾ أي رجعت إلى ما كانت عليه من التمسك بأمر الله الذي هو العدل ﴿فأصلحوا﴾ أي أوقعوا الإصلاح ﴿بينهما ﴾.