فصل
قال الفخر :
﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾
إرشاداً للأعراب الذين قالوا آمنا إلى حقيقة الإيمان فقال إن كنتم تريدون الإيمان فالمؤمنون من آمن بالله ورسوله ثم لم يرتابوا، يعني أيقنوا بأن الإيمان إيقان، وثم للتراخي في الحكاية، كأنه يقول آمنوا، ثم أقول شيئاً آخر لم يرتابوا، ويحتمل أن يقال هو للتراخي في الفعل تقديره آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا فيما قال النبي ﷺ من الحشر والنشر، وقوله تعالى :﴿وجاهدوا بأموالهم وَأَنفُسِهِمْ﴾ يحقق ذلك، أي أيقنوا أن بعد هذه الدار داراً فجاهدوا طالبين العقبى، وقوله ﴿أُوْلَئِكَ هُمُ الصادقون﴾ في إيمانهم، لا الأعراب الذين قالوا قولاً ولم يخلصوا عملاً.
قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١٦)
فإنه عالم به لا يخفى عليه شيء، وفيه إشارة إلى أن الدين ينبغي أن يكون لله وأنتم أظهرتموه لنا لا لله، فلا يقبل منكم ذلك.
يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (١٧)
يقرر ذلك ويبين أن إسلامهم لمن يكن لله، وفيه لطائف الأولى : في قوله تعالى :﴿يَمُنُّونَ عَلَيْكَ﴾ زيادة بيان لقبيح فعلهم، وذلك لأن الإيمان له شرفان أحدهما : بالنسبة إلى الله تعالى وهو تنزيه الله عن الشرك وتوحيده في العظمة، وثانيهما : بالنسبة إلى المؤمن فإنه ينزه النفس عن الجهل ويزينها بالحق والصدق، فهم لا يطلبون بإسلامهم جانب الله ولا يطلبون شرف أنفسهم بل منوا ولو علموا أن فيه شرفهم لما منوا به بل شكروا.