وقيل : مزينة وجهينة وأسلم وأشجع وغفار قالوا آمنا فاستحققنا الكرامة، فردّ الله تعالى عليهم بقوله :﴿ قل لم تؤمنوا ﴾، أكذبهم الله في دعوى الإيمان، ولم يصرح بإكذابهم بلفظه، بل بما دل عليه من انتفاء إيمانهم، وهذا في أعراب مخصوصين.
فقد قال الله تعالى :﴿ ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر ﴾ الآية.
﴿ ولكن قولوا أسلمنا ﴾، فهو اللفظ الصادق من أقوالكم، وهو الاستسلام والانقياد ظاهراً، ولم يواطىء أقوالكم ما في قلوبكم، فلذلك قال :﴿ ولما يدخل الإيمان في قلوبكم ﴾ : وجاء النفي بلما الدالة على انتفاء الشيء إلى زمان الإخبار، وتبين أن قوله :﴿ لم تؤمنوا ﴾ لا يراد به انتفاء الإيمان في الزمن الماضي، بل متصلاً بزمان الإخبار أيضاً، لأنك إذا نفيت بلم، جاز أن يكون النفي قد انقطع، ولذلك يجوز أن تقول : لم يقم زيد وقد قام، وجاز أن يكون النفي متصلاً بزمن الإخبار.
فإذا كان متصلاً بزمن الإخبار، لم يجز أن تقول : وقد قام، لتكاذب الخبرين.
وأما لما، فإنها تدل على نفي الشيء متصلاً بزمان الإخبار، ولذلك امتنع لما يقم زيد وقد قام للتكاذب.
والظاهر أن قوله :﴿ لما يدخل الإيمان في قلوبكم ﴾ ليس له تعلق بما قبله من جهة الإعراب.
وقال الزمخشري : فإن قلت : هو بعد قوله :﴿ قل لم تؤمنوا ﴾ يشبه التكرير من غير استقلال بفائدة متجددة ؛ قلت : ليس كذلك، فإن فائدة قوله :﴿ لم تؤمنوا ﴾ هو تكذيب دعواهم، وقوله :﴿ ولما يدخل الإيمان في قلوبكم ﴾ توقيت لما أمروا به أن يقولوه، كأنه قيل لهم :﴿ ولكن قولوا أسلمنا ﴾ حين لم يثبت مواطأة قلوبكم لألسنتكم، لأنه كلام واقع موقع الحال من الضمير في قوله :﴿ قولوا ﴾. انتهى.
والذي يظهر أنهم أمروا أن يقولوا :﴿ قولوا أسلمنا ﴾ غير مقيد بحال، وأن ﴿ ولما يدخل الإيمان ﴾ إخبار غير قيد في قولهم.
وقال الزمخشري : وما في لما من معنى التوقع دال على أن هؤلاء قد آمنوا فيما بعد.