والمقصود من هذا أن الله سبحانه خلقهم كذلك ؛ لهذه الفائدة لا للتفاخر بأنسابهم، ودعوى أن هذا الشعب أفضل من هذا الشعب، وهذه القبيلة أكرم من هذه القبيلة، وهذا البطن أشرف من هذا البطن.
ثم علل سبحانه ما يدل عليه الكلام من النهي عن التفاخر، فقال :﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ الله أتقاكم ﴾ أي : إن التفاضل بينكم إنما هو بالتقوى، فمن تلبس بها فهو المستحق ؛ لأن يكون أكرم ممن لم يتلبس بها، وأشرف وأفضل، فدعوا ما أنتم فيه من التفاخر بالأنساب، فإن ذلك لا يوجب كرماً، ولا يثبت شرفاً، ولا يقتضي فضلاً.
قرأ الجمهور ﴿ إن أكرمكم ﴾ بكسر إن.
وقرأ ابن عباس بفتحها، أي : لأن أكرمكم ﴿ إِنَّ الله عَلِيمٌ ﴾ بكل معلوم، ومن ذلك أعمالكم ﴿ خَبِيرٌ ﴾ بما تسرّون وما تعلنون لا تخفى عليه من ذلك خافية.
ولما ذكر سبحانه أن أكرم الناس عند الله أتقاهم له، وكان أصل التقوى الإيمان ذكر ما كانت تقوله العرب من دعوى الإيمان ؛ ليثبت لهم الشرف والفضل، فقال :﴿ قَالَتِ الاعراب ءامَنَّا ﴾ وهم بنو أسد أظهروا الإسلام في سنة مجدبة يريدون الصدقة، فأمر الله سبحانه رسوله ﷺ أن يردّ عليهم، فقال :﴿ قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ ﴾ أي : لم تصدقوا تصديقاً صحيحاً عن اعتقاد قلب، وخلوص نية، وطمأنينة ﴿ ولكن قُولُواْ أَسْلَمْنَا ﴾ أي : استسلمنا خوف القتل والسبي، أو للطمع في الصدقة، وهذه صفة المنافقين ؛ لأنهم أسلموا في ظاهر الأمر، ولم تؤمن قلوبهم، ولهذا قال سبحانه :﴿ وَلَمَّا يَدْخُلِ الإيمان فِى قُلُوبِكُمْ ﴾ أي : لم يكن ما أظهرتموه بألسنتكم عن مواطأة قلوبكم، بل مجرد قول باللسان من دون اعتقاد صحيح، ولا نية خالصة، والجملة إما مستأنفة لتقرير ما قبلها، أو في محل نصب على الحال، وفي "لمّا" معنى التوقع.