ولا يخفى أن الإنصاف هو الوقوف مع ما أوضحه النص وأبانه، فكل موضع نص فيه على الإحباط وجب قبوله بدون تأويل، وامتنع القياس عليه، لأنه مقام توعد وخسران، ولا مجال للرأي في مثل ذلك. هذا ما أعقده وأراه. والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.
﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ [ ٣ ].
﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ ﴾ أي : يبالغون في خفضها :﴿ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى ﴾ قال ابن جرير : أي : اصطفاها وأخلصها للتقوى يعني لاتقائه بأداء طاعته، واجتناب معاصيه، كما يمتحن الذهب بالنار، فيخلص جيدها، ويبطل خبثها :﴿ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ أي : ثواب جزيل، وهو الجنة.
﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاء الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ ﴾ [ ٤ ].
﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ ﴾ أي : يدعونك :﴿ مِن وَرَاء ﴾ أي : خارج :﴿ الْحُجُرَاتِ ﴾ أي : عند كونك فيها، استعجالاً لخروجك إليهم، ولو بترك ما أنت فيه من الأشغال :﴿ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ ﴾ إذ لا يفعله محتشم، ولا يفعل لمحتشم، فلا يراعون حرمة أنفسهم، ولا حرمتك، ونسب إلى الأكثر، لأنه قد يتبع عاقل جماعة الجهال، موافقة لهم.
﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ [ ٥ ].


الصفحة التالية
Icon