ثم لما ذكر سبحانه أن أولئك الذين قالوا آمنا لم يؤمنوا، ولا دخل الإيمان في قلوبهم، بيّن المؤمنين المستحقين لإطلاق اسم الإيمان عليهم، فقال :﴿ إِنَّمَا المؤمنون الذين ءامَنُواْ بالله وَرَسُولِهِ ﴾ يعني : إيماناً صحيحاً خالصاً عن مواطأة القلب واللسان ﴿ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُواْ ﴾ أي : لم يدخل قلوبهم شيء من الريب، ولا خالطهم شكّ من الشكوك ﴿ وجاهدوا بأموالهم وَأَنفُسِهِمْ فِى سَبِيلِ الله ﴾ أي : في طاعته وابتغاء مرضاته، ويدخل في الجهاد الأعمال الصالحة التي أمر الله بها، فإنها من جملة ما يجاهد المرء به نفسه حتى يقوم به ويؤدّيه، كما أمر الله سبحانه، والإشارة بقوله :﴿ أولئك ﴾ إلى الجامعين بين الأمور المذكورة، وهو مبتدأ، وخبره قوله :﴿ هُمُ الصادقون ﴾ أي : الصادقون في الاتصاف بصفة الإيمان، والدخول في عداد أهله، لا من عداهم ممن أظهر الإسلام بلسانه، وادّعى أنه مؤمن، ولم يطمئن بالإيمان قلبه، ولا وصل إليه معناه، ولا عمل بأعمال أهله، وهم الأعراب الذين تقدّم ذكرهم، وسائر أهل النفاق.
ثم أمر الله سبحانه رسوله أن يقول لأولئك الأعراب وأمثالهم قولاً آخر لما ادّعوا أنهم مؤمنون، فقال :﴿ قُلْ أَتُعَلّمُونَ الله بِدِينِكُمْ ﴾ التعليم ها هنا بمعنى الإعلام، ولهذا دخلت الباء في بدينكم، أي : أتخبرونه بذلك حيث قلتم آمنا ﴿ والله يَعْلَمُ مَا فِى السموات وَمَا فِي الأرض ﴾ فكيف يخفى عليه بطلان ما تدّعونه من الإيمان، والجملة في محل النصب على الحال من مفعول تعلمون ﴿ والله بِكُلّ شَيْء عَلِيمٌ ﴾ لا تخفى عليه من ذلك خافية، وقد علم ما تبطنونه من الكفر، وتظهرونه من الإسلام ؛ لخوف الضرّاء ورجاء النفع.