ثم أخبر الله سبحانه رسوله بما يقوله لهم عند المنّ عليه منهم بما يدّعونه من الإسلام فقال :﴿ يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُواْ ﴾ أي : يعدّون إسلامهم منّة عليك حيث قالوا : جئناك بالأثقال والعيال، ولم نقاتلك كما قاتلك بنو فلان وبنو فلان ﴿ قُل لاَّ تَمُنُّواْ عَلَىَّ إسلامكم ﴾ أي : لا تعدّوه منّة عليّ، فإن الإسلام هو المنّة التي لا يطلب موليها ثواباً لمن أنعم بها عليه، ولهذا قال :﴿ بَلِ الله يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ للإيمان ﴾ أي : أرشدكم إليه، وأراكم طريقه سواءً وصلتم إلى المطلوب أم لم تصلوا إليه، وانتصاب ﴿ إسلامكم ﴾ إما على أنه مفعول به على تضمين يمنّون معنى يعدّون، أو بنزع الخافض، أي : لأن أسلموا، وهكذا قوله :﴿ أَنْ هَداكُمْ للإيمان ﴾ فإنه يحتمل الوجهين ﴿ إِن كُنتُمْ صادقين ﴾ فيما تدّعونه، والجواب محذوف يدلّ عليه ما قبله، أي : إن كنتم صادقين، فللّه المنّة عليكم.
قرأ الجمهور ﴿ أن هداكم ﴾ بفتح " أن "، وقرأ عاصم بكسرها.
﴿ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السموات والأرض ﴾ أي : ما غاب فيهما ﴿ والله بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ لا يخفى عليه من ذلك شيء، فهو مجازيكم بالخير خيراً، وبالشرّ شرًّا.
قرأ الجمهور :﴿ تعملون ﴾ على الخطاب، وقرأ ابن كثير على الغيبة.
وقد أخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في الدلائل عن ابن أبي مليكة قال : لما كان يوم الفتح رقى بلال فأذن على الكعبة، فقال بعض الناس : أهذا العبد الأسود يؤذن على ظهر الكعبة.
وقال بعضهم : إن يسخط الله هذا يغيره، فنزلت :﴿ يأَيُّهَا الناس إِنَّا خلقناكم مّن ذَكَرٍ وأنثى ﴾.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج نحوه.


الصفحة التالية
Icon