قال الطبري : والصواب أن يقال إن الله عمّ، بنهيه المؤمنين من أن يسخر بعضهم من بعض، جميع معاني السخرية. فلا يحل لمؤمن أن يسخر من مؤمن، لا لفقره، ولا لذنب ركبه، ولا لغير ذلك. وقد عد الغزالي في " الإحياء " السخرية من آفات اللسان، وأوضح معناها بما لا مطلب وراءه فننقله هنا تتميماً للفائدة، قال رحمه الله :
الآفة الحادية عشرة - السخرية والاستهزاء : وهذا محرم مهما كان مؤذياً، كما قال تعالى :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ ﴾ الآية. ومعنى السخرية : الاستهانة، والتحقير، والتنبيه على العيوب، والنقائص، على وجه يُضحك منه. وقد يكون ذلك بالمحاكاة في الفعل والقول، وقد يكون بالإشارة والإيماء، وإذا كان بحضرة المستهزأ به لم يسم ذلك غيبة، وفيه معنى الغيبة.
وقالت عائشة رضي الله عنها : حاكيت، فقال لي النبي ﷺ :< والله ما أحب أني حاكيت إنساناً، ولي كذا وكذا >.
وقال ابن عباس في قوله تعالى :﴿ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ﴾ [ الكهف : ٤٩ ]، إن الصغيرة التبسم بالاستهزاء بالمؤمن، والكبيرة القهقهة بذلك.
وهذا إشارة إلى أن الضحك على الناس من جملة الذنوب الكبائر. وقال معاذ بن جبل : قال النبي ﷺ :< من عير أخاه بذنب قد تاب منه، لم يمت حتى يعمله >.