وقال الشيخ الشنقيطى فى الآيات السابقة :
قوله تعالى :﴿ يا أيها الذين آمَنُواْ لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عسى أَن يَكُونُواْ خَيْراً مِّنْهُمْ وَلاَ نِسَآءٌ مِّن نِّسَآءٍ عسى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ ﴾
قوله :﴿ لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ ﴾ أي لا يستخفوا ولا يستهزؤوا بهم، والعرب تقول : سخر منه بكسر الخاء، يسخر بفتح الخاء على القياس، أذا استهزأ به واستخف.
وقد نهى الله جل وعلا في هذه الآية الكريمة عن السخرية من الناس، مبيناً أن المسخور منه قد يكون خيراً من الساخر.
ومن أقبح القبيح استخاف الدنيئ الأرذل بالأكرم الأفضل، واستهزؤاه به.
وما تضمنته هذه الآية الكريمة من النهي عن السخرية جاء ذم فاعله وعقوبته عند الله في غير هذا الموضع كقوله تعالى :﴿ الذين يَلْمِزُونَ المطوعين مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ الله مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [ التوبة : ٧٩ ].
وقد بين تعالى أن الكفار المترفين في الدنيا كانوا يسخرون من ضعاف المؤمنين في دار الدنيا، وأن أولئك يسخرون من الكفار يوم القيامة، كما قال تعالى :﴿ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ الحياة الدنيا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الذين آمَنُواْ والذين اتقوا فَوْقَهُمْ يَوْمَ القيامة ﴾ [ البقرة : ٢١٢ ] وقال تعالى :﴿ إِنَّ الذين أَجْرَمُواْ كَانُواْ مِنَ الذين آمَنُواْ يَضْحَكُونَ وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ ﴾ [ المطففين : ٢٩ - ٣٠ ] إلى قوله تعالى :﴿ فاليوم الذين آمَنُواْ مِنَ الكفار يَضْحَكُونَ عَلَى الأرآئك يَنظُرُونَ هَلْ ثُوِّبَ الكفار مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ ﴾ [ المطففين : ٣٤ - ٣٦ ].
فلا ينبغي لمن رأى سملماً في حالة رثة تظهر بها عليه آثار الفقر والضعف أن يسخر منه لهذه الآيات التي ذكرنا.
قوله تعالى :﴿ وَلاَ تلمزوا أَنفُسَكُمْ ﴾.


الصفحة التالية
Icon