فرجع ثلاثة منهم، فلما دنوا إلى المدينة، خرج رجلان من بني سليم صلحاً لرسول الله ﷺ، وقد كان أهداهما، وكساهما، فقالا : نحن من بني عامر، لأن بني عامر كانوا أقرب إلى المدينة، فقتلوهما، وأخذوا من ثيابهما، وجاؤوا بها إلى النبي ﷺ، فنزل ﴿ عَظِيماً يا أيها الذين ءامَنُواْ لاَ تُقَدّمُواْ بَيْنَ يَدَىِ الله وَرَسُولِهِ ﴾ يعني : لا تعجلوا بقتل، ولا بأمر، حتى تستأمروا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وروي عن الحسن في رواية أخرى أنه قال : لا تعملوا بخلاف الكتاب والسنة.
ثم قال :﴿ واتقوا الله ﴾ يعني : اخشوا الله عز وجل فيما يأمركم، وينهاكم، ولا تخالفوا أمر الله ورسوله.
وقوله :﴿ إِنَّ الله سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ يعني : سميع الدعاء، عليم بخلقه.
ويقال : سميع لقول المستأمنين، عليم بنيات الذين قتلوهما.
وفي الآية بيان رأفة الله عز وجل على عباده، حيث سماهم مؤمنين مع معصيتهم.
فقال :﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ الذين كَفَرُواْ ﴾ ولم يقل : يا أيها الذين عصوا وقد ذكرنا من قبل أن النداء على ست مراتب، وهذا نداء مدح.
قوله عز وجل :﴿ يا أيها الذين ءامَنُواْ لاَ تَرْفَعُواْ أصواتكم فَوْقَ صَوْتِ النبى ﴾ نزلت في وفد بني تميم قدموا على النبي ﷺ، وهم سبعون أو ثمانون، منهم الأقرع بن حابس، والزبرقان بن بدر، وعطارد بن الحجاب، وذلك حين قالوا : ائذن لشاعرنا، وخطيبنا في الكلام، فعلت الأصوات، واللغط، فنزلت الآية ﴿ لاَ تَرْفَعُواْ أصواتكم فَوْقَ صَوْتِ النبى ﴾ ويقال : نزلت في ثابت بن قيس بن شماس، وكان في أذنه وقر، فكان إذا تكلم، رفع صوته.
ثم قال :﴿ تَجْهَرُواْ لَهُ بالقول كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ ﴾ يعني : لا تدعوه باسمه، كما يدعو الرجل الرجل منكم باسمه، ولكن عظموه، ووقروه، وقولوا : يا نبي الله، ويا رسول الله.