ثم قال :﴿ أَن تَحْبَطَ أعمالكم وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ ﴾ أن ذلك يحبطها.
يعني : إن فعلتم ذلك، فتحبط حسناتكم.
وقال بعضهم : من عمل كبيرة من الكبائر حبط جميع ما عمل من الحسنات واحتج بهذه الآية :﴿ أَن تَحْبَطَ أعمالكم ﴾ ولكن نحن نقول : الكبيرة لا تبطل العمل ما لم يكفر، وإنما ذكر هاهنا إبطال العمل، لأن في ذلك استخفافاً بالنبي صلى الله عليه وسلم.
ومن قصد الاستخفاف بالنبي ﷺ كفر.
فلما نزلت هذه الآية، دخل ثابت بن قيس بيته، وجعل يبكي، ويقول : أنا من أهل النار.
فذكر ذلك للنبي ﷺ، فبعث إليه، وقال :" إنَّكَ مِنْ أهْلِ الجَنَّةِ بَلْ غَيْرُكَ مِنْ أهْل النَّار ".
فقال : يا رسول الله لا أتكلم بعد ذلك إلا سراً، أو ما كان يشبه السر فنزل :﴿ إِنَّ الذين يَغُضُّونَ أصواتهم عِندَ رَسُولِ الله ﴾ ﷺ روى ثابت عن أنس قال : لما نزل ﴿ لاَ تَرْفَعُواْ أصواتكم ﴾ وكان ثابت بن قيس رفيع الصوت.
فقال : أنا الذي كنت أرفع صوتي، وحبط عملي.
أنا من أهل النارِ.
وجلس في بيته يبكي، ففقده رسول الله ﷺ، فأخبروه بما قال، فقال ﷺ :" بَلْ هُوَ مِنْ أهْلِ الجَنَّةِ ".
فقال أنس : لكنا نراه يمشي بين أظهرنا، ونحن نعلم أنه من أهل الجنة.
فلما كان يوم اليمامة، فكان فينا بعض الانكشاف، فجاء ثابت بن قيس وقد تحنط، ولبس كفنه، فقال : بئس ما تعودون أقرانكم، فقاتلهم حتى قتل.
ثم قال :﴿ إِنَّ الذين يَغُضُّونَ أصواتهم عِندَ رَسُولِ الله ﴾ ﴿ أُوْلَئِكَ الذين امتحن الله قُلُوبَهُمْ للتقوى ﴾ يعني : أخلص الله قلوبهم.
ويقال : أصفى الله عز وجل قلوبهم للتقوى من المعصية.
يعني : يجعل قلوبهم موضعاً للتقوى ﴿ لَهُم مَّغْفِرَةٌ ﴾ لذنوبهم ﴿ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ أي : ثواب وافر في الجنة.