ثم قال :﴿ أُوْلَئِكَ هُمُ الرشدون ﴾ يعني : المهتدون.
فذكر أول الآية على وجه المخاطبة، وآخر الآية بالمغايبة.
ثم قال :﴿ أُوْلَئِكَ هُمُ الرشدون ﴾ ليعلم أن جميع من كان حاله هكذا، فقد دخل في هذا المدح.
وفي الآية دليل أن من كان مؤمناً، فإنه لا يحب الفسوق والمعصية، لأن الله تعالى قال :﴿ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الكفر والفسوق والعصيان ﴾ والمؤمن إذا ابتلي بالمعصية، فإن شهوته وغفلته تحمله على ذلك، لا لحبه للمعصية.
ثم قال : أي ذلك التحبيب والتبغيض ﴿ فَضْلاً مّنَ الله وَنِعْمَةً ﴾ يعني : كان الإيمان الذي حببه إليكم، والكفر الذي بغضه إليكم، كان ﴿ فَضْلاً مّنَ الله وَنِعْمَةً ﴾ يعني : رحمة ﴿ والله عَلِيمٌ ﴾ بخلقه ﴿ حَكِيمٌ ﴾ في أمره وقضائه.
قوله عز وجل :﴿ وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ المؤمنين اقتتلوا فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا ﴾ وذلك أن النبي ﷺ خرج إلى الأنصار ليكلمهم في أمر من الأمور وهو على حماره، فبال الحمار وهو راكب عليه يكلم الأنصار.
فقال عبد الله بن أُبيّ المنافق : خل للناس سبيل الريح من نتن هذا الحمار، ثم قال : أف.
وأمسك على أنفه فشق على النبي ﷺ قوله، فانصرف عبد الله بن رواحة.
فقال : اتقوا هذا لحمار رسول الله ﷺ، والله لبوله أطيب ريحاً منك.
فاقتتلا فاجتمع قوم ابن رواحة وهم الأوس، وقوم عبد الله بن أبي وهم الخزرج، فكان بينهم ضرب النعال، والأيدي، والسعف، ورجع النبي ﷺ فأصلح بينهم.
فأنزل الله تعالى :﴿ وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ المؤمنين اقتتلوا فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا ﴾ بالعدل فكره بعضهم الصلح، فأنزل قوله :﴿ فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا على الاخرى ﴾ يعني : استطالت فلم ترجع إلى الصُّلح ﴿ فقاتلوا التى تَبْغِى ﴾ يعني : تظلم ﴿ حتى تَفِىء إلى أَمْرِ الله ﴾ يعني : ترجع إلى ما أمر الله عز وجل.