ولما أراد هنا الجمع لأنه أدل على القدرة وصف بأداة التأنيث فقال ﴿التي تجري﴾ بتقدير الله، وحقق الأمر بقوله :﴿في البحر﴾ أسند الجري إليها ومن المعلوم أنه لا جري لها حقيقة ولا فعل بوجه ترقية إلى اعتقاد مثل ذلك في النجوم إشارة إلى أنه لا فعل لها ولا تدبير كما يعتقد بعض الفلاسفة. وقال الحرالي : ولما ذكر سبحانه وتعالى جملة الخلق وجملة الاختلاف في الوجهين وصل بذلك إحاطة البحر بالأرض وتخلل البحار فيها لتوصل المنافع المحمولة في الفلك مما يوصل من منافع المشرق للمغرب ومنافع المغرب للمشرق ومنافع الشمال للجنوب وبالعكس، فما حملت جارية شيئاً ينتفع به إلا قد تضمن ذكره مبهم كلمة ﴿ما﴾ في قوله تعالى :﴿بما ينفع الناس﴾ وذكرهم باسم الناس الذي هو أول من يقع فيه الاجتماع والتعاون والتبصر بوجه ما أدنى ذلك في منافع الدنيا الذي هو شاهد هذا القول - انتهى.
ولما ذكر نفع البحر بالسفن ذكر من نفعه ما هو أعم من ذلك فقال :﴿وما أنزل الله﴾ الذي له العظمة التامة ﴿من السماء﴾ أي جهتها باجتذاب السحاب له. ولما كان النازل منها على أنواع وكان السياق للاستعطاف إلى رفع الخلاف ذكر ما هو سبب الحياة فقال :﴿من ماء فأحيا به الأرض﴾ بما ينبت منها ولما كان الإحياء يستغرق الزمن المتعقب للموت نفى الجار فقال :﴿بعد موتها﴾ بعدمه.


الصفحة التالية