ولما ذكر حياة الأرض بالماء أشار إلى أن حياة كل ذي روح به فقال ﴿وبث﴾ من البث وهو تفرقة أحاد مستكثرة في جهات مختلفة ﴿فيها﴾ بالخضب ﴿من كل دابة﴾ من الدبيب وهو الحركة بالنفس قال الحرالي : أبهم تعالى أمر الخلق والاختلاف والإجراء فلم يسنده إلى اسم من أسمائه يظهره، وأسند إنزال الماء من السماء إلى اسمه العظيم الذي هو الله لموقع ظهور القهر على الخلق في استدرار أرزاق الماء واستجداده وقتاً بعد وقت بخلاف مستمر ما أبهم من خلق السماوات والأرض الدائم على حالة واختلاف الليل والنهار المستمر على وجهة واحتيال إجراء الفلك الماضي على حكم عادته، فأظهر اسمه فيما يشهد به عليهم ضرورتهم إليه في كل حول ليتوجهوا في العبادة إلى علو المحل الذي منه ينزل الماء فينقلهم بذلك من عبادة ما في الأرض إلى عبادة من في السماء ﴿ءأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض﴾ [الملك : ١٦] وقال عليه الصلاة والسلام للأمة :" أين الله ؟ قالت : في السماء، قال : أعتقها فإنها مؤمنة " فأذن أدنى الإيمان التوجه إلى عبادة من في السماء ترقياً إلى علو المستوى على العرش إلى غيب الموجود في أسرار القلوب، فكان في هذه التوطئة توجيه الخلق إلى الإله الذي ينزل الماء من السماء وهو الله الذي لم يشرك به أحد سواه ليكون ذلك توطئة لتوحيد الإله، ولذلك ذكر تعالى آية الإلهية التي هي الإحياء، والحياة كل خروج عن الجمادية من حيث إن معنى الحياة في الحقيقة إنما هو تكامل في الناقص، فالمهتزّ حي بالإضافة إلى الجماد ترقياً إلى ما فوق ذلك من رتب الحياة من نحو حياة الحيوان ودواب الأرض، فلذلك ذكر تعالى الإحياءين بالمعنى، وأظهر الاسم مع الأرض لظهوره في الحيوان، فأظهر حيث خفي عن الخلق، ولم يذكره حيث هو ظاهر للخلق، فنبههم على الاعتبارين إنزال الماء الذي لهم منه شراب ومنه شجر وبه حياة الحيوان ومنه مرعاهم.


الصفحة التالية
Icon