وقال العلامة أبو حيان فى البحر المحيط :
ومناسبة هذه الآية لما قبلها، هو أنه لما ذكر تعالى أنه واحد، وأنه منفرد بالإلهية، لم يكتف بالإخبار حتى أورد دلائل الاعتبار. ثم مع كونها دلائل، بل هي نعم من الله على عباده، فكانت أوضح لمن يتأمل وأبهر لمن يعقل، إذ التنبيه على ما فيه النفع باعث على الفكر. لكن لا تنفع هذه الدلائل إلا عند من كان متمكناً من النظر والاستدلال بالعقل الموهوب من عند الملك الوهاب، وهذه الأشياء التي ذكرها الله ثمانية، وإن جعلنا : وبث فيها، على حذف موصول، كما قدرناه في أحد التخريجين، كانت تسعة، وهي باعتبار تصير إلى أربعة : خلق، واختلاف، وإنزال ماء، وتصريف.
فبدأ أولاً بالخلق، لأنه الآية العظمى والدلالة الكبرى على الإلهية، إذ ذلك إبراز واختراع لموجود من العدم الصرف. ﴿أفمن يخلق كمن لا يخلق﴾ ﴿والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئاً وهم يخلقون﴾ ودل الخلق على جميع الصفات الذاتية، من واجبية الوجود والوحدة والحياة والعلم والقدرة والإرادة، وقدّم السماوات على الأرض لعظم خلقها، أو لسبقه على خلق الأرض عند من يرى ذلك.
ثم أعقب ذكر خلق السماوات والأرض باختلاف الليل والنهار، وهو أمر ناشىء عن بعض الجواهر العلوية النيرة التي تضمنتها السماوات. ثم أعقب ذلك بذكر الفلك، وهو معطوف على الليل والنهار، كأنه قال : واختلاف الفلك، أي ذهابها مرة كذا ومرة كذا على حسب ما تحركها المقادير الإلهية، وهو أمر ناشىء عن بعض الأجرام السفلية الجامدة التي تضمنتها الأرض.
ثم أعقب ذلك بأمور اشترك فيها العالم العلوي والعالم السفلي، وهو إنزال الماء من السماء، ونشر ما كان دفيناً في الأرض بالأحياء. وجاء هذا المشترك مقدماً فيه السبب على المسبب، فلذلك أعقب بالفاء التي تدل على السبب عند بعضهم.