ثم ختم ذلك بما لا يتم ما تقدمه من ذكر جريان الفلك وإنزال الماء وإحياء الموات إلا به، وهو تصريف الرياح والسحاب. وقدم الرياح على السحاب، لتقدم ذكر الفلك، وتأخر السحاب لتأخر إنزال الماء في الذكر على جريان الفلك.
فانظر إلى هذا الترتيب الغريب في الذكر، حيث بدأ أولاً باختراع السماوات والأرض، ثم ثنى بذكر ما نشأ عن العالم العلوي، ثم أتى ثالثاً بذكر ما نشأ عن العالم السفلي، ثم أتى بالمشترك. ثم ختم ذلك بما لا تتم النعمة للإنسان إلا به، وهو التصريف المشروح.
وهذه الآيات ذكرها تعالى على قسمين : قسم مدرك بالبصائر، وقسم مدرك بالأبصار. فخلق السماوات والأرض مدرك بالعقول، وما بعد ذلك مشاهد للأبصار. والمشاهد بالأبصار انتسابه إلى واجب الوجود، مستدل عليه بالعقول، فلذلك قال تعالى :﴿لآيات لقوم يعقلون﴾، ولم يقل : لآيات لقوم يبصرون، تغليباً لحكم العقل، إذ مآل ما يشاهد بالبصر راجع بالعقل نسبته إلى الله تعالى. أ هـ البحر المحيط حـ ١ صـ ٦٤٢}