وهذا جواب لقولهم (ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ) "بَلْ هُمْ" هؤلاء الجاحدون "فِي لَبْسٍ" شك وخلط وشبه ألقاها الشيطان في قلوبهم وأوقع الحيرة منه فيها بتسويله لهم بأن إحياء الموتى محال وأنساهم
التفكر بأن من قدر على الإنشاء لا تعبيه الإعادة بل هو على الإعادة أقدر "مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ ١٥" بعد الموت، وقيل إن هذه الآية عامة في الدنيا والآخرة، أما في الدنيا فهي أن اللّه تعالى يعدم كل موجود في كل لحظة ويحييه وهذا معنى التجدد، وأما في الآخرة فإنه يحيي من أماته إلى الحساب والجزاء ولا يعظم هذا على اللّه، كيف وهو يقول "وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ" من الخطرات والهواجس الحادثة الآن والتي ستحدث بعد في قلبه، لا يخفى علينا شيء من ضمائره، وكيف تخفى علينا "وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ١٦" العرق الذي يجري فيه الدم المتصل بكل جزء من أجزاء الإنسان، وهو بين الحلقوم والمري، ولذلك سمي وربدا، واذكر لهم يا محمد "إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ" الملكان الموكلان بكل نفس يكتبان ما تعمل من الخير والشر ويحفظانه إلى يوم الحساب أحدهما "عَنِ الْيَمِينِ" يكتب الحسنات "وَعَنِ الشِّمالِ" الآخر يكتب السيئات "قَعِيدٌ ١٧" كل منهما بمحله لا يفارقه طرفة عين، وقد اكتفى بذكر أحدهما عن الآخر كقوله :
رماني بأمر كنت منه ووالدي بريئا ومن أجل الهوان رماني
أي وكان والدي بربئا.
وقوله :