نحن بما عندنا وأنت بما عندك راض والرأي مختلف أي نحن راضون، وهنا يكون عن اليمين قعيد أيضا إذ الحذف من الأول لدلالة الثاني عليه وبالعكس من أبواب البلاغه وسمي احتباكا وهو فضلا عن أنه لا يخل بالمعنى فلا يخفى على بصير، ولفظ قعيد يدل على الملازمة فهو أبلغ من قاعد ولهذا قال تعالى "ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ" يقوله الإنسان "إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ" يراقبه لا يبرح عنه "عَتِيدٌ ١٨" تهيأ لتدوين ما يخرج من فيه، وهذان الملكان لا يفارقان الإنسان إلا عند الغائط والجماع، ولذلك يكره الكلام في هاتين الحالتين لئلا يؤذيهما في كتابة ما يقع منه فيهما لأنهما لا يهملان شيئا حتى أنينه في المرض ليثيبه اللّه عليه.
روى البغوي بإسناد الثعلبي عن أبي أمامه قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم :
كاتب الحسنات أمين على كاتب السيئات، فإذا عمل حسنة كتبها صاحب اليمين حالا، وإذا عمل سيئة قال صاحب اليمين لصاحب الشمال دعه سبع ساعات لعله يسبّح أو يستغفر، وهذان غير المعقّبات الآتي ذكرهم في قوله تعالى (لَهُ مُعَقِّباتٌ) الآية ١١ من سورة الرعد في ج ٣ لأن اللّه وكل في بني آدم ملائكة كثيرين من حين يكون في بطن أمه إلى أن يدفن في قبره، ومن لطفه على عباده أنه يكتب للمريض والمسافر مثل ما كانا يعملان في الصحة والإقامة من الحسنات فقط أما السيئات فلا، لأن العقاب فيها متوقف على الفعل فلو نوى ولم يعمل لا يكتب عليه شيء بل تكتب له حسنة كما سيأتي في تفسير الآية ٨٤ من سورة القصص الآتية.
أخرج بن أبي شيبة والدارقطني في الافراد والطبراني والبيهقي في الشعب عن عبد اللّه بن عمر قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم : ما من أحد من المسلمين يبتلى ببلاء في جسده إلا أمر اللّه تعالى الحفظة فقال اكتبوا لعبدي ما كان يعمل وهو صحيح مادام مشدودا في وثاقي.