ولفظ القرين من النوع المبهم أحد أقسام البديع في الكلام، ولهذا فإنه يفسر بنسبة المقام كما جرينا عليه "رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ" أي ما أجبرته على الطغيان ولا أوقعته فيه، وهذا بعد أن سئل وقال أطغاني الشيطان، فيدافع الشيطان عن نفسه معتذرا ثم يقول "وَلكِنْ كانَ" هو يا رب غارقا "فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ ٢٧" عن الحق وسبله، إذ اختار بطوعه ورضاه الضلال على الهدى وأكب على الردى، فيقول الكافر يا رب كذب هو الذي سوّل لي الشر وحسّن لي القبيح فأراد الشيطان أن يكذبه ثانيا فقطع اللّه.
عليه كلامه "قالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ" الآن اسكتوا لأني أرسلت إليكم رسلا "وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ ٢٨" على ألسنتهم وبالكتب
التي أنزلتها عليهم، وقد أنذروكم وحذّروكم هول هذا اليوم وبينوا لكم منافع الإيمان ومضار الكفر فلم تفعلوا فلا فائدة من خصامكم الآن وقد قضي الأمر عليكم بالعذاب "ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ" فلا تطمعوا أن أغيره لأنه حق عليكم "وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ٢٩" لأني لا أعذب أحدا بغير ذنب، وأنا العلام بما وقع منكم قبلا راجع تفسير الآية ٢٢ من سورة ابراهيم في ج ٢ والآية ٣٠ من سورة المرسلات المارة تقف على مواقف القيامة، واذكر يا محمد لقومك "يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ" إيفاء بوعده لها في سابق علمه وانجازا لقوله :"لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ" الآية ١١٩ من سورة هود في ج ٢ قال ابن عباس فلما سيق أعداء اللّه إليها لا يلقى فيها فوج إلا ذهب فيها ولا يملأها شيء فتقول مخاطبة ربها عز علاه، ألست قد أقسمت لتملأني ؟ قال فيضع قدمه عليها فيقول هل امتلأت، فتقول قط قط أي حسبي حسبي قد اكتفيت.


الصفحة التالية
Icon