وقد نقّبت في الآفاق حتى رضيت من الغنيمة بالإياب
"إِنَّ فِي ذلِكَ" الذي قصصناه عليكم يا أمة محمد بشير إلى أنكم ومن قبلكم ومن بعدكم صائرون إلينا وإن هو "لَذِكْرى " عظيمة وعبرة باهرة وعظة بالغة "لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ" واع وعقل ثابت وفكر ثاقب "أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ" لما يتلى عليه من القرآن، وسمعه سماع قبول لا يحدث نفسه بخلافه مصغيا لإرشاده "وَهُوَ شَهِيدٌ ٣٧" فطن لا غافل ولا نسيان، لأن من لا يحصر ذهنه ولبه وسمعه وبصره لآيات اللّه لا يدخل في هذه الآية بل يكون في عداد الذين ذكرهم اللّه في الآية ١٨٧ من الأعراف، الآتية أعاذنا اللّه من ذلك.
مطلب الآية المدنية في هذه السورة وخلق السموات والأرض والتسبيح :
وهذه الآية المدنية قال تعالى "وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما"
من الجن والإنس والملائكة والطير والوحش والمياه وغيرها "فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَما مَسَّنا" لحقنا ولا أصابنا "مِنْ لُغُوبٍ ٣٨" إعياء أو تعب فكيف تستعظمون علينا إعادتكم أيها الناس وهي لا شيء بالنسبة لهذا الذي لا تفي به القوى لأنه أعظم من الخلق كله راجع الآية ٥٧ من سورة غافر من ج ٢، وهذه الآية أيضا كالمستطردة بالنسبة لما قبلها وبعدها كسائر الآيات المدنيات في المكيات، وسبب نزولها أن اليهود قالوا أن اللّه خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام أولها الأحد وآخرها الجمعة ثم استراح يوم السبت واستلقى على العرش فلذلك تركوا العمل فيه كما هو موجود في التوراة الموجودة الآن راجع الاصحاح الأول والثاني من التكوين في التوراة، فكذّبهم اللّه عز وجل في هذه الآية، نافيا عن ذاته المقدسة التعب والاعياء المستلزمين للراحة.