ولما كان التقدير : فكان من تلك النفخة صيحة هائلة ورجة شاملة، فقال الناس عامة من قبورهم، وحصل ما في صدورهم، عطف عليه قوله بياناً لإحاطة العرض :﴿وجاءت كل نفس﴾ أي مكلفة كائناً ﴿معها سائق﴾ يسوقها إلى ماهي كارهة للغاية لعلمه بما قدمت من النقائص ﴿وشهيد﴾ يشهد عليها بما عملت، والظاهر من هذا أن السائق لا تعلق له بالشهادة أصلاً، لئلا تقول تلك النفس : إنه خصم، والخصم لا تقبل شهادته، ويقال حينئذ للمفرط في الأعمال في أسلوب التأكيد جرياً على ما كان يستحقه إنكاره في الدنيا، وتنبيهاً على أنه لعظمه مما يحق تأكيده :﴿لقد كنت﴾ أي كوناً كأنه جبلة لك ﴿في غفلة﴾ أي عظيمة محيطة بك ناشئة لك ﴿من هذا﴾ أي من تصور هذا اليوم على ما هو عليه من انقطاع الأسباب، والجزاء بالثواب أو العقاب لأنه على شدة جلائه خفي على من اتبع الشهوات ﴿فكشفنا﴾ بعظمتنا بالموت ثم بالعبث ﴿عنك غطاءك﴾ الذي كان يحجبك عن رؤيته من الغفلة بالآمال في الجاه والأموال وسائر الحظوظ والشهوات، تحقيقاً لما له سبحانه من الإحاطة بالتقدير والتعجيز، وعن الواسطي : من كشف عنه غطاء الغفلة أبصر الأشياء كلها في أسر القدرة وانكشف له حقائق الأشياء بأسرها، وهذا عبارة عن العلم بأحوال القيامة.
ولما تسبب عن هذا الكشف الانكشاف التام، عبر عنه بقوله :﴿فبصرك اليوم﴾ أي بعد البعث ﴿حديد﴾ أي في غاية الحدة والنفوذ، فلذا تقر بما كنت تنكر. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٧ صـ ٢٥٥ ـ ٢٥٨﴾