وأنت تعلم أن الأصحاب مع الظواهر حتى يظهر دليل على امتناع ما يدل عليه وحينئذٍ يؤولونها، وأن التزام التطبيق بين ما نطقت به الشريعة وما قاله الفلاسفة مع إكذاب بعضه بعضاً أصعب من المشي على الماء أو العروج إلى السماء، وأنا أقول : لا بأس بتأويل ظاهر تأويلاً قريباً لشيء من الفلسفة إذا تضمن مصلحة شرعية ولم يستلزم مفسدة دينية، وأرى الإنصاف من الدين، ورد القول احتقاراً لقائله غير لائق بالعلماء المحققين، هذا وحمل بعض ﴿ السماء ﴾ ههنا على جنس الأجرام العلوية وهو كما ترى، والظاهر أنها الجرم المخصوص وأنها السماء الدنيا أي أفلم ينظروا إلى السماء الدنيا ﴿ كَيْفَ بنيناها ﴾ أحكمناها ورفعناها بغير عمد ﴿ وزيناها ﴾ للناظرين بالكواكب المرتبة على أبدع نظام ﴿ وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ ﴾ أي من فتوق وشقوق، والمراد سلامتها من كل عيب وخلل فلا ينافي القول بأن لها أبواباً، وزعم بعضهم أن المراد متلاصقة الطباق وهو ينافي ما ورد في الحديث من أن بين كل سماء وسماء مسيرة خمسمائة عام، ولعل تأخير هذا لمراعاة الفواصل.
وقيل ههنا ﴿ أَفَلَمْ يَنظُرُواْ ﴾ بالفاء وفي موضع آخر ﴿ أَوَ لَمْ يَنظُرُواْ ﴾ [ الأعراف : ١٨٥ ] بالواو لسبق إنكار الرجع فناسب التعقيب بما يشعر بالاستدلال عليه، وجىء بالنظر دون الرؤية كما في الأحقاف استبعاداً لاستبعادهم فكأنه قيل : النظر كاف في حصول العلم بإمكان الرجع ولا حاجة إلى الرؤية قاله الإمام، واحتج بقوله سبحانه :﴿ مَّا لَهَا مِن فُرُوجٍ ﴾ للفلاسفة على امتناع الخرق، وأنت تعلم أن نفي الشيء لا يدل على امتناعه، على أنك قد سمعت المراد بذلك، ولا يضر كونه ليس معنى حقيقياً لشيوعه.
﴿ والأرض مددناها ﴾


الصفحة التالية
Icon