وأما قوله تعالى :﴿ إذ يتلقى المتلقيان ﴾ فقال المفسرون العامل في :﴿ إذ ﴾، ﴿ أقرب ﴾، ويحتمل عندي أن يكون العامل فيه فعلاً مضمراً تقديره : اذكر ﴿ إذ يتلقى المتلقيان ﴾، ويحسن هذا المعنى، لأنه أخبر خبراً مجرداً بالخلق والعلم بخطرات الأنفس والقرب بالقدرة والملك، فلما تم الإخبار، أخبر بذكر الأحوال التي تصدق هذا الخبر وتبين وروده عند السامع، فمنها ﴿ إذ يتلقى المتلقيان ﴾، ومنها مجيء سكرة الموت، ومنها النفخ في الصور ومنها مجيء كل نفس، و﴿ المتلقيان ﴾ : الملكان الموكلان بكل إنسان : ملك اليمين الذي يكتب الحسنات، وملك الشمال الذي يكتب السيئات. قال الحسن : الحفظة : أربعة، اثنان بالنهار واثنان بالليل.
قال القاضي أبو محمد : ويؤيد ذلك الحديث، " يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار " الحديث بكامله. ويروى أن ملك اليمين أمير على ملك الشمال، وأن العبد إذا أذنب يقول ملك اليمين للآخر تثبت لعله يتوب رواه إبراهيم التيمي وسفيان الثوري.
و﴿ قعيد ﴾ معناه : قاعد، وقال قوم هو بمنزلة أكيل، فهو بمعنى مقاعد وقال الكوفيون : أراد قعوداً فجعل الواحد موضع الجنس، والأول أصوب لأن المقاعد إنما يكون مع قعود الإنسان، وقال مجاهد :﴿ قعيد ﴾ : رصد ومذهب سيبويه أن التقدير عن اليمين قعيد، فاكتفى بذكر الآخر عن ذكر الأول ومثله عنده قول الشاعر [ كثير عزة ] :[ الطويل ]
وعزة ممطول معنّى غريمها... ومثله قول الفرزدق :[ الكامل ]
إني ضمنت لمن أتاني ما جنى... وأبى وكان وكنت غير غدور