وقوله تعالى :﴿ لهم ما يشاؤون فيها ولدينا مزيد ﴾ خبر بأنهم يعطون آمالهم أجمع. ثم أبهم تعالى الزيادة التي عنده للمؤمنين المنعمين، وكذلك هي مبهمة في قوله تعالى :﴿ فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين ﴾ [ السجدة : ١٧ ] وقد فسر ذلك الحديث الصحيح قوله ﷺ :" يقول الله تعالى : أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر بل ما أطلعتهم عليه ". وقد ذكر الطبري وغيره في تعيين هذا المزيد أحاديث مطولة وأشياء ضعيفة، لأن الله تعالى يقول :﴿ فلا تعلم نفس ما أخفي لهم ﴾ [ السجدة : ١٧ ] وهم يعينونها تكلفاً وتعسفاً. وروي عن جابر بن عبد الله وأنس بن مالك أن المزيد : النظر إلى وجه الله تعالى بلا كيف.
وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ (٣٦)
﴿ كم ﴾ للتكثير وهي خبرية، المعنى كثيراً ﴿ أهلكنا قبلهم ﴾. والقرن : الأمة من الناس الذين يمر عليهم قدر من الزمن. واختلف الناس في ذلك القدر، فقال الجمهور : مائة سنة، وقيل غير هذا، وقد تقدم القول فيه غير مرة. وشدة البطش : هي كثرة القوة والأموال والملك والصحة والأدهان إلى غير ذلك.
وقرأ جمهور من الناس :" فنقَّبوا " بشد القاف المفتوحة على إسناد الفعل إلى القرون الماضية، والمعنى : ولجوا البلاد من أنقابها وفي الحديث :" أن على أنقاب المدينة ملائكة لا يدخلها الطاعون ولا الدجال ". والمراد تطوفوا ومشوا طماعين في النجاة من الهلكة ومنه قول الشاعر [ امرؤ القيس ] :[ الوافر ]
وقد نقبت في الآفاق حتى... رضيت من الغنيمة بالإياب
ومنه قول الحارث بن حلزة :[ الخفيف ]
نقبوا في البلاد من حذر الموت... وجالوا في الأرض كل مجال
وقرأ ابن يعمر وابن عباس ونصر بن سيار وأبو العالية :" فنقِّبوا " بشد القاف المكسورة على الأمر لهؤلاء الحاضرين.