وقال أبو حيان فى الآيات السابقة :
﴿ أفعيينا بالخلق الأول ﴾ :
وهو إنشاء الإنسان من نطفة على التدريج، وتقدم تفسير عيي في قوله تعالى :﴿ ولم يعي بخلقهن ﴾ وقرأ الجمهور : أفعيينا، بياء مكسورة بعدها ياء ساكنة، ماضي عيي، كرضي.
وقرأ ابن أبي عبلة، والوليد بن مسلم، والقورصبي عن أبي جعفر، والسمسار عن شيبة، وأبو بحر عن نافع : بتشديد الياء من غير إشباع في الثانية، هكذا قال أبو القاسم الهذلي في كتاب الكامل.
وقال ابن خالويه في كتاب شواذ القراءات له : أفعينا بتشديد الياء.
ابن أبي عبلة، وفكرت في توجيه هذه القراءة، إذ لم يذكر أحد توجيهها، فخرجتها على لغة من أدغم الياء في الياء في الماضي، فقال : عي في عيي، وحي في حيي.
فلما أدغم، ألحقه ضمير المتكلم المعظم نفسه، ولم يفك الإدغام فقال : عيناً، وهي لغة لبعض بكر بن وائل، يقولون في رددت ورددنا : ردت وردنا، فلا يفكون، وعلى هذه اللغة تكون الياء المشدّدة مفتوحة.
فلو كان ن ضمير نصب، لاجتمعت العرب على الإدغام، نحو : ردّنا زيد.
وقال الحسن : الخلق الأول آدم عليه السلام، والمعنى : أعجزنا عن الخلق الأول، فنعجز عن الخلق الثاني، وهذا توقيف للكفار، وتوبيخ وإقامة الحجة الواضحة عليهم.
﴿ بل هم في لبس ﴾ : أي خلط وشبهة وحيرة، ومنه قول علي : يا جار إنه لملبوس عليك، اعرف الحق تعرف أهله.
﴿ من خلق جديد ﴾ : أي من البعث من القبور.
﴿ ولقد خلقنا الإنسان ﴾ : هذه آيات فيها إقامة حجج على الكفار في إنكارهم البعث، والإنسان إسم جنس.
وقيل : آدم.
﴿ ونحن أقرب ﴾ : قرب علم به وبأحواله، لا يخفى عليه شيء من خفياته، فكأن ذاته قريبة منه، كما يقال : الله في كل مكان، أي بعلمه، وهو منزه عن الأمكنة.
و﴿ حبل الوريد ﴾ : مثل في فرط القرب، كقول العرب : هو مني مقعد القابلة، ومقعد الإزار.
قال ذو الرمة :
والموت أدنى لي من الوريد...