وقال الشوكانى فى الآيات السابقة :
قوله :﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ﴾
هذا كلام مبتدأ يتضمن ذكر بعض القدرة الربانية، والمراد بالإنسان : الجنس، وقيل : آدم، والوسوسة هي في الأصل الصوت الخفيّ، والمراد بها هنا : ما يختلج في سرّه وقلبه وضميره، أي : نعلم ما يخفي، ويكنّ في نفسه، ومن استعمال الوسوسة في الصوت الخفيّ قول الأعشى :
تسمع للحلى وسواساً إذا انصرفت... فاستعمل لما خفي من حديث النفس ﴿ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الوريد ﴾ هو حبل العاتق، وهو ممتد من ناحية حلقه إلى عاتقه، وهما وريدان من عن يمين وشمال.
وقال الحسن : الوريد : الوتين، وهو عرق معلق بالقلب، وهو تمثيل للقرب بقرب ذلك العرق من الإنسان، أي : نحن أقرب إليه من حبل وريده، والإضافة بيانية، أي : حبل هو الوريد.
وقيل : الحبل هو نفس الوريد، فهو من باب مسجد الجامع.
ثم ذكر سبحانه أنه مع علمه به وكل به ملكين يكتبان، ويحفظان عليه عمله إلزاماً للحجة فقال :﴿ إِذْ يَتَلَقَّى المتلقيان ﴾ الظرف منتصب بما في ﴿ أَقْرَبُ ﴾ من معنى الفعل، ويجوز أن يكون منصوباً بمقدّر هو اذكر، والمعنى : أنه أقرب إليه من حبل وريده حين يتلقى ﴿ المتلقيان ﴾، وهما الملكان الموكلان به ما يلفظ به، وما يعمل به، أي : يأخذان ذلك ويثبتانه، والتلقي : الأخذ، أي : نحن أعلم بأحواله غير محتاجين إلى الحفظة الموكلين به، وإنما جعلنا ذلك إلزاماً للحجة، وتوكيداً للأمر.
قال الحسن، وقتادة، ومجاهد : المتلقيان ملكان يتلقيان عملك أحدهما عن يمينك يكتب حسناتك، والآخر عن شمالك يكتب سيئاتك.


الصفحة التالية
Icon