﴿ قَالَ لاَ تَخْتَصِمُواْ لَدَىَّ ﴾ هذه الجملة مستأنفة جواب سؤال مقدّر ؛ كأنه قيل : فماذا قال الله؟ فقيل :﴿ قَالَ لاَ تَخْتَصِمُواْ لَدَىَّ ﴾ يعني : الكافرين وقرناءهم، نهاهم سبحانه عن الاختصام في موقف الحساب، وجملة :﴿ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بالوعيد ﴾ في محل نصب على الحال، أي : والحال أن قد قدّمت إليكم بالوعيد بإرسال الرسل، وإنزال الكتب، والباء في ﴿ بالوعيد ﴾ مزيدة للتأكيد، أو على تضمين قدّم معنى تقدّم ﴿ مَا يُبَدَّلُ القول لَدَىَّ ﴾ أي : لا خلف لوعدي، بل هو كائن لا محالة، وقد قضيت عليكم بالعذاب، فلا تبديل له، وقيل : هذا القول هو قوله :﴿ مَن جَاء بالحسنة فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاء بالسيئة فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا ﴾ [ الأنعام : ١٦٠ ] وقيل : هو قوله :" لأمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الجنة والناس أَجْمَعِينَ " [ السجدة : ١٣ ] وقال الفراء، وابن قتيبة : معنى الآية : أنه ما يكذب عندي بزيادة في القول، ولا ينقص منه لعلمي بالغيب، وهو قول الكلبي.
واختاره الواحدي، لأنه قال :﴿ لَدَىَّ ﴾ ولم يقل وما يبدل قولي، والأوّل أولى.
وقيل : إن مفعول ﴿ قدّمت إليكم ﴾ هو ما ﴿ يبدّل ﴾ أي : وقد قدّمت إليكم هذا القول ملتبساً بالوعيد، وهذا بعيد جداً ﴿ وَمَا أَنَاْ بظلام لّلْعَبِيدِ ﴾ أي : لا أعذبهم ظلماً بغير جرم اجترموه، ولا ذنب أذنبوه.
ولما كان نفي الظلام لا يستلزم نفي مجرّد الظلم قيل : إنه هنا بمعنى : الظالم، كالثمار بمعنى الثامر.
وقيل : إن صيغة المبالغة لتأكيد هذا المعنى بإبراز ما ذكر من التعذيب بغير ذنب في معرض المبالغة في الظلم.
وقيل : صيغة المبالغة لرعاية جمعية العبيد من قولهم فلان ظالم لعبده، وظلام لعبيده، وقيل غير ذلك، وقد تقدّم الكلام على هذا في سورة آل عمران، وفي سورة الحج.


الصفحة التالية
Icon