ويجوز أن تكون مما خوطب به الفريقان في الدنيا وعلى الاحتمالين فهي مستأنفة استئنافاً بيانياً.
و﴿ لدينا مزيد ﴾، أي زيادة على ما يشاؤون مما لم يخطرُ ببالهم، وذلك زيادة في كرامتهم عند الله ووردت آثار متفاوتة القوة أن من المزيد مفاجأتهم بخيرات، وفيها دلالة على أن المفاجأة بالإنعام ضرب من التلطف والإكرام، وأيضاً فإن الأنعام يجيئهم في صور معجبة.
والقول في ﴿ مزيد ﴾ هنا كالقول في نظيره السابق آنفاً.
وجاء ترتيب الآيات في منتهى الدقة فبدأت بذكر إكرامهم بقوله :﴿ وأزلفت الجنة للمتقين ﴾، ثم بذكر أن الجنة جزاؤهم الذي وعدوا به فهي حق لهم، ثم أوْمَأت إلى أن ذلك لأجل أعمالهم بقوله :﴿ لكل أوّاب حفيظ مَن خشي الرحمان ﴾ الخ، ثم ذكرت المبالغة في إكرامهم بعد ذلك كله بقوله :﴿ ادخلوها بسلام ﴾، ثم طمْأنهم بأن ذلك نعيم خالد، وزِيد في إكرامهم بأن لهم ما يشاؤون ما لم يروه حين الدخول، وبأن الله عدهم بالمزيد من لدنه.
وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ (٣٦)
انتقال من الاستدلال إلى التهديد وهو معطوف على ما قبله وهذا العطف انتقال إلى الموعظة بما حل بالأمم المكذبة بعد الاستدلال على إمكان البعث بقوله :﴿ قد علمنا ما تنقص الأرض منهم ﴾ [ ق : ٤ ] وما فُرّع عليه من قوله :﴿ أفَعَيِينَا بالخلق الأول ﴾ [ ق : ١٥ ].
وفي هذا العطف الوعيد الذي أجمل في قوله :﴿ كذبت قبلهم قوم نوح وأصحاب الرّس إلى قوله :{ فحقّ وعيد ﴾ [ ق : ١٢، ١٤ ].
فالوعيد الذي حقّ عليهم هو الاستئصال في الدنيا وهو مضمون قوله :﴿ وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أشد منهم بطشاً ﴾.