وقوله تعالى ﴿وَمَا أَنَاْ بظلام لّلْعَبِيدِ﴾ مناسب لما تقدم على الوجهين جميعاً، أما إذا قلنا بأن المراد من قوله ﴿لَدَىَّ﴾ أن قوله ﴿فألقياه﴾ [ ق : ٢٦ ] وقول القائل في قوله :﴿قِيلَ ادخلوا أبواب جَهَنَّمَ﴾ [ الزمر : ٧٢ ] لا تبديل له فظاهر، لأن الله تعالى بيّن أن قوله :﴿أَلْقِيَا فِى جَهَنَّمَ﴾ [ ق : ٢٤ ] لا يكون إلا للكافر العنيد فلا يكون هو ظلاماً للعبيد.
وأما إذا قلنا بأن المراد ﴿مَا يُبَدَّلُ القول لَدَىَّ﴾ بل كان الواجب التبديل قبل الوقوف بين يدي فكذلك لأنه أنذر من قبل، وما عذب إلا بعد أن أرسل وبيّن السبل، وفيه مباحث لفظية ومعنوية.
أما اللفظية فهي من الباء من قوله ليس ﴿بظلام﴾ وفي اللام من قوله ﴿لّلْعَبِيدِ﴾ أما الباء فنقول الباء تدخل في المفعول به حيث لا يكون تعلق الفعل به ظاهراً ولا يجوز إدخالها فيه حيث يكون في غاية الظهور، ويجوز الإدخال والترك حيث لا يكون في غاية الظهور ولا في غاية الخفاء، فلا يقال ضربت بزيد لظهور تعلق الفعل يزيد، ولا يقال خرجت وذهبت زيداً بدل قولنا خرجت وذهبت بزيد لخفاه تعلق الفعل بزيد فيهما، ويقال شكرته وشكرت له للتوسط فكذلك خبر ما لما كان مشبهاً بالمفعول، وليس في كونه فعلاً غير ظاهر غاية الظهور، لأن إلحاق الضمائر التي تلحق بالأفعال الماضية كالتاء والنون في قولك : لست ولستم ولستن ولسنا يصحح كونها فعلاً كما في قولك كنت وكنا، لكن في الاستقبال يبين الفرق حيث نقول يكون وتكون، وكن، ولا نقول ذلك في ليس وما يشبه بها فصارتا كالفعل الذي لا يظهر تعلقه بالمفعول غاية الظهور، فجاز أن يقال ليس زيد جاهلاً وليس زيد بجاهل، كما يقال مسحته ومسحت به وغير ذلك مما يعدى بنفسه وبالباء، ولم يجز أن يقال كان زيد بخارج وصار عمرو بدارج لأن صار وكان فعل ظاهر غاية الظهور بخلاف ليس وما النافية، وهذا يؤيد قول من قال :( ما هذا بشر ) وهذا ظاهر.